الأحد، 20 مارس 2016

المواطنة في إطار التعددية الثقافية مشاركة بواسطة: سارة الايداء

المواطنة في إطار التعددية الثقافية

يُعد مفهوم "التعددية الثقافية" من المفاهيم المهمة في المجتمع الحديث، الذي بات يضم جماعات متنوعة ثقافيا، الأمر الذي يطرح إشكاليات حول "الوحدة" في إطار "التنوع"، والانسجام في سياق "احترام الاختلاف". ونظرا لأن مفهوم المواطنة يقدم لنا إطارا قانونيا وثقافيا واجتماعيا للتعايش الإيجابي بين مواطنين متنوعين ثقافيا، فإن ذلك يطرح ضرورة لدراسة العلاقة بين المواطنة والتعددية الثقافية، تدعيما للتنوع الثقافي في بناء المجتمع من ناحية، ودعما لعلاقة الانتماء المشترك في الوطن الواحد من ناحية أخري.
وقد نمت فكرة التعددية الثقافية في أميركا مثلا وأصبحت فكرة سياسية ناشطة ضد التمييز العنصري في الستينات من القرن الماضي حيث تصاعدت المطالبة بحق الاختلاف عن الآخر وحق المساواة في الحقوق المدنية بين جميع الفئات المهمشة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً بهدف تكسير الحد العنصري الفاصل بين البيض والسود.
إن أهم ميزة في البشرية هي اختلاف الثقافات البشرية وتنوّعها؛ فكلّ ثقافة تختلف عن الأخرى بسبب مسارها التاريخي الخاصّ وميّزاتها التي تجعل منها فريدة من نوعها. والحديث عن التعددية الثقافية لا يتعلّق بالتنوع أو وجود نظرة إيجابية تجاه الاختلافات بين الثقافات والتجمعات. خلافا لذلك فهي تدل على ترابط عميق للقضايا المتعلقة بالتنوع الثقافي والديني في المجتمع، وعلى الإدارة الاجتماعية للتحديات والفرص التي يتيحها هذا التنوع.
وقد اختلفت تعريفات التعددية الثقافية، إذ تستخدم الأنثروبولوجيا مفهوم التعددية الثقافية للدلالة على جماعات تختلف أنماط الحياة لدى كل منها اختلافاً شاسعاً عن غيرها. أما العلوم السياسية فتستعمل هذا التعبير للدلالة على جماعات ذات فروقات ومميزات ملحوظة تعيش في مناطق جغرافية محددة وتشكل هذه المميزات الملحوظة قاعدة لقوتها السياسية. وفي تعريف علم الاجتماع فهي رغبة بعض الجماعات في المحافظة على اوجه الشبه في ما بين أفرادها لاعتقادهم ان الصفات والقيم والمعتقدات المشتركة تشكل مصدر شعور الافراد بالفخر والثقة بالنفس والصحة العقلية والتماسك[1].
ويرى البرفيسور الكندي ويل كيمليكا، أستاذ الفلسفة في جامعة كوين الكندية أن المجتمع الدولي والمنظمات الدولية اليوم تحاول أن تماهي بين أفضل الممارسات والأبعاد القانونية في التعامل مع مسألة الأقليات، وأشار إلى الانتشار الدولي لخطاب التعددية، وان هناك لقاءات دولية لصانعي السياسة تناقش الأفكار المتعلقة بالتسامح والتعددية. ويرى البروفيسور أن ثمة معايير دولية يجب أن تتقيد بها جميع الدول، وهي معايير طورتها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ولم يغفل أن لهذه المعايير آثاراً بعضها إيجابية وبعضها ينضوي على مخاطر!
ويرى البروفيسور الكندي أن في المجتمعات الغربية ثلاثة أنواع من الأقليات: أولا الشعوب الأصلية مثل: الماوري، والهنود الحمر. وثانيا الأقليات القومية، وتعتبر نفسها أمماً مستقلة، مثل: الكيبك في كندا، والاسكتلنديين والغال في بريطانيا، والباسك في إسبانيا، والبورتوريكيون في الولايات المتحدة. وأخيرا مجموعات المهاجرين.
ويرى كيمليكا أن هجرة العمال لم تولد عنفا متواصلاً وليس لها تأثيرات عنفية متواترة، ولم تشكل خطراً على السلام الدولي، وهي لا تشكل أولوية، بل متروكة لقوانين الدول المضيفة لمعالجتها وفق مصالحها التي تتوافق مع شرعة حقوق الإنسان. ويؤكد البرفيسور الكندي أيضاًُ أن جميع الدول الغربية التي لديها شعوب أصلية وأقليات قومية، باتت اليوم دولاً متعددة القوميات، تعترف بوجود شعوب وأمم داخل الدولة، ويتم هذا الاعتراف بسلسلة من حقوق الأقليات التي تشمل الحكم الذاتي واستخدام لغة الأقلية كلغة رسمية. وأن هذه التجربة الغربية ناجحة وقابلة للتعميم. ويدعو البرفيسور كيمليكا الدول الأخرى أن تحذو حذو الغرب في ما يخص هذه المسائل، مع حقها في إيجاد معايير محلية للتعامل مع أقلياتها، ويرى أن الأمم المتحدة فشلت حتى الآن في إقناع المنظمات المحلية في قبول هذا التحدي. إذ يسود مناخ يصعب فيه مناقشة موضوع حقوق الأقليات، لا سيما في البلدان المستعمرة سابقاً، لأن هذه الدول واجهتها قضية الأقليات قبل ترسيخ الدولة وبناء المجتمع والاقتصاد، بينما الدول الغربية عاشت نوعاً من التعاقب أو التوالي في الديمقراطية والازدهار الاقتصادي.
ولكن يرى نقاد هذا الخطاب الليبرالي الغربي، أن هذا الاهتمام بالقوميات في الدول الفقيرة والتي تعاني من مشاكل عديدة، هو نوع من الإرث الاستعماري الذي يريد أن يفرض قيما وثقافة الهيمنة على باقي العالم، وأن تاريخ الغرب هو تاريخ هيمنة الأغلبية، وأن الحكم الذاتي عنده هو نوع من حماية الأقليات الهشة. ورغم الاعتراضات، فإن الغرب والمنظمات الدولية، كالأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة العمل العالمية، لم تعد جميعها توافق على أن مسألة تعامل الدول مع أقلياتها هي قضية محلية، وليس فيها ما يهم المجتمع الدولي. حاولت هذه المنظمات وما تزال تحاول قوننة معايير الحد الأدنى لسلوك الدول، فيما يتعلق بأقلياتها ولإرساء آلية عمل لمراقبة التزام الحكومات بتلك المعايير، حتى إن البنك الدولي قد أعلن أن حقوق الشعوب الأصلية هي شرط مسبق لأية دولة تسعى للحصول على مساعدات وقروض.
ويرى البرفيسور كيمليكا أن الخطاب الكوني الجديد قائم على التعددية الثقافية، وأن تدويل العلاقات مع الآليات في الدول قد وصل حداً ما عاد بالإمكان الرجوع عنه، وهو اليوم موضع جدل على مستوى العالم، ويلاقي تأييداً منقطع النظير عند بعض الأطراف المحلية الفاعلة، ويواجه بالرفض الكامل من قبل بعض الأطراف الأخرى، وهو موضع مقاومة فعلية من أطراف ثالثة. ويعترف البرفيسور بأن النقاد غالباً ما يجادلون بأن خطاب التعددية الثقافية والمقاييس الدولية، إنما تعكس بشكل مميز الظروف أو الهموم الغربية، التي ليس لها علاقة أو حاجة بهموم الأمم الأخرى[2].
وقد حذر تريفور فيليبس رئيس لجنة المساواة العرقية في بريطانيا من ازدياد الانفصال بين الفئات العرقية المختلفة في بريطانيا. وقال فيليبس ان بعض المناطق في بريطانيا آخذة في التحول الى مناطق منعزلة تشبه ال"غيتو". وحذر رئيس اللجنة من أن فشل الجامعات والمدارس في ادماج الأقليات العرقية قد يعني عزلة الأقليات عن مسايرة التطور في المجتمع البريطاني. كما أشار تريفور ان هذا الوضع قد يساعد على زيادة حدة التطرف الديني بين بعض الأقليات. ودعا المدارس التي تضم تلاميذ من أبناء السكان البيض لقبول أبناء الأجناس العرقية المختلفة للدرسة فيها. وأضاف أن الانعزالية التي تتجه اليها بعض المجتمعات والجاليات في بريطانيا قد تؤدي الى انقسام مماثل لما شاهده العالم في نيو أورليانز بعد حدوث اعصار كاترينا. وهذه ليست المرة الأولى التي يدق فيها ناقوس الخطر في بريطانيا. فمن قبل أشار تقرير أجري في أعقاب أحداث الشغب التي وقعت في البلاد في عام 2001 الى هذه القضية. وحذر التقرير من أن الجاليات المختلفة في بريطانيا تعيش حياة متوازية لاتتميز بالاختلاط الحقيقي، وطالب بادخال تعديلات كبيرة على سياسات الدولة في هذا المجال. ويرى منتقدو التعددية الثقافية أن هذه السياسة تصنف الناس بحسب لونهم وأصولهم التي ينحدرون منها مما يكرس معاملتهم بأسلوب مختلف. ويقول المنتقدون ان صناع القرار في بريطانيا يقررون أسلوب معاملة المواطنين بحسب أصولهم العرقية أولا وليس كمواطنين متساويين. وبالمقابل فان مؤيدي التعددية الثقافية يرون أنها تسهم في تقوية أواصر المجتمع، وتنشر روح التسامح بعرض صور وأنماط الحياة المختلفة لكل المواطنين مهما كانت أصولهم[3]؛ فالتنوع الثقافي الخلاق يثري الحياة الانسانية ويمد المجتمعات المختلفة بالحيوية ومن هنا اصبح التركيز علي قبول شرعية التعددية الثقافية داخل كل مجتمع‏,‏ بما يعني حقوق كل جماعة ثقافية في التعبير الثقافي عن نفسها‏,‏ في حدود حق المواطنة المكفول للجميع‏.‏ غير أن ذلك الوضع يثير اشكالية مهمة‏,‏ وهي ان تعدد الجماعات في المجتمع قد يفرض مطالب متناقضة علي الحياة السياسية خصوصا في المجتمعات المتعددة الثقافات‏,‏ فكيف يمكن لهذه المجتمعات ان تعمل؟ والجواب أن اي مجتمع لكي يعمل بكفاءة لابد ان يكون مستندا الي قاعدة من القيم المشتركة التي تتقيد بها كل الجماعات المؤسسة له‏,‏ وهناك آراء مختلفة بشأن القيم المشتركة وأولوياتها وروح التضامن التي ينبغي ان تسود[4]‏.‏

ما علاقة التنوع والتعددية بالمواطنة؟
لا توجد مواطنة حقيقية من دون تعددية حقيقية في ظل دولة الحق والقانون. وسرّ ازدهار الديمقراطية يكمن في سر ازدهار المواطنة.
ولكن في حال تواجدت التعددية في وطن ما وعلى سبيل المثال تعددية ثقافية أو تعددية دينية أو تعددية مذهبية وسواها ولم تستطع الدولة تغليب الانتماء الوطني في وجود أفرادها الاجتماعي والثقافي بل ساهمت في تعزيز التناقض فيما بينهم. فستُطرح مشكلة المواطنة والانتماء لأن أفراد هذه الدولة سيكونون منساقين حكماً أو عفوياً أو اضطرارياً الى الالتجاء الى روابط العشيرة والطائفة والتبعية وما اليها للدفاع والحصول على حقوقهم[5].
مفهوم المواطنة
المواطنة كلمة تتسع للعديد من المفاهيم و التعريفات  فالمواطنة في اللغة  مأخوذة من الوطن وهو محل الإقامة والحماية، و من حيث مفهومها السياسية فالمواطنة هي (صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه إلى الوطن)، وفي قاموس علم الاجتماع تم تعريف المواطنة: بأنها مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي ( دولة ) ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول (المواطن) الولاء، ويتولى الطرف الثاني الحماية، وتتحدد هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق أنظمة الحكم القائمة .
ومن منظور نفسي: فالمواطنة هي الشعور بالانتماء والولاء للوطن وللقيادة السياسية التي هي مصدر الإشباع للحاجات الأساسية وحماية الذات من الأخطار المصيرية (وبذلك فالمواطنة تشير إلى العلاقة مع الأرض والبلد.
والمواطنة بصفتها مصطلحاً معاصراً تعريب للفظة (Citizenship) التي تعني كما تقول دائرة المعارف البريطانية: (علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق - متبادلة - في تلك الدولة، متضمنة هذهالمواطنة مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات)[6].
أبعاد المواطنة
يتجلى البعد السياسي للمواطنة في مدى إحساس الفرد بانتماء الفرد إلى الوطن كجسم سياسي يتمثل في مؤسسات الدولة والأحزاب والنقابات والجمعيات، وأفكار حول الشأن العام والمجال العمومي، والأفكار التي تتبلور لدى الفرد حول هذا الجسم، ومدى سعي الفرد للتأثير فيه عن طريق الولاء أو المعارضة للنظام، أو الخوف منه، والابتعاد عنه، أو الثورة عليه.  ويهتم البعد الثقافي بما يوفره الوطن من إحساس بالانتماء إلى جماعة تمثل في الهوية، وتتجسد هذه الهوية المشتركة فيما يجمع الفرد مع غيره من ممارسات الحياة اليومية من عادات الأكل واللباس والموسيقى وطقوس الأعياد والحفلات، كما أنها تتجسد في الرموز المشتركة لما يمثل الهوية الوطنية، أو الهويات الجماعية المتعايشة في ظل الوطن الواحد. وتتمثل فكرة الوطنية على المستوى الاقتصادي فيما يوفره الوطن من ما تسميه الكتابات الحقوقية "شروط الحياة الكريمة" والتي تعني سوسيولوجيا  ظروف الارتقاء الاجتماعي[7].
هذه الأبعاد المتنوعة التي تجسد محتوى المواطنة، ليست مستقرة لا كأفكار ولا كممارسات، بل إنها تشهد تقلبات باستمرار نتيجة للتحولات التي يعرفها الوطن، أو الدولة الوطنية، ويعرفها المجتمع على المستويات الديمغرافية والسوسيو-سياسية، أو بسبب التوسع الهائل لظاهرة العولمة.
وللمواطنة دلالات تتجاوز التعريفات القانونية لها‏.‏ وذلك لأنه ازدادت أهميتها ونحن في خضم عمليات التغير الكبري التي سبق أن ألمحنا إليها‏.‏ وقد سبق للباحث المعروف نوربرتو بوبيو أن قرر نقطة البداية في المواطنة هي محاولة الناس العاديين فرض النظام علي الفوضي وليس هناك نهاية في الأفق يمكن تحديدها في مجال تطوير معاني المواطنة ومجالاتها‏,‏ فالبحث فيها عملية مستمرة‏,‏ ومع ذلك يمكن القول إن ماضي مفهوم المواطنة يؤثر علي الطريقة التي ينظر بها أغلب الناس في المجتمعات الصناعية المتقدمة إليها‏.‏ فالمواطن الحديث هو في الحقيقة نتاج قرون من عملية بناء الأمة التي تضمنت معارك مستمرة في مجال تحديد الانتماءات السياسية‏,‏ وحول القواعد التي ينبغي أن تحكم ممارسة السلطة السياسية داخل أطر اقليمية محددة‏.‏ ولعل هذا الذي دفع ببعض الباحثين إلي التأكيد علي أن المواطنة عادة ماتعرف بالاستناد إلي القومية‏.‏ فالمواطنون هم أعضاء منظمون في مجتمعات قومية‏,‏ يعطونها ولاءهم ويتوقعون منها حمايتهم‏.‏ وهي بالتالي هويتهم التي يتعاملون بها مع مواطنين من أقطار أخري‏.‏ ويمكن القول بالتالي إن الاحساس بالتضامن المرتبط بالمواطنة يقوم علي أساس رسم الحد الفاصل بيننا و بينهم‏,‏ أو بعبارة أخري بين الأنا والآخر غير أن الاحساس له مردود سلبي كما يؤكد جدنجز الذي ينتقد الاحساس المفرط بالوطنية الذي استغلته نظم شمولية لتحقيق أهداف قومية ضيقة‏,‏ وعلي حساب الشعوب الأخري‏.
ينظر للمواطنة في الوقت الراهن باعتبارها أفقا مفتوحا‏,‏ ويلفت النظر في هذا المجال حكم مهم أصدرته المحكمة الامريكية الدستورية العليا عام‏1950‏ ذهبت فيه إلي أن المواطنة هي الحق في الحصول علي الحقوق‏.!‏ وفي ضوء هذا التعريف الجامع فإن بعض الباحثين يرون أن له آثارا مهمة في مجال مضمون المطالب‏,‏ والأسبقيات السياسية‏,‏ وفي مجال توسيع الفضاءات العامة للنضال في سبيل الحقوق‏,‏ والتي يمكن أن تتغير من حين لآخر‏.‏ولابد لهذه العملية أن تؤدي في النهاية إلي اتساع مجال المواطنة‏.‏ ولعل مما يساعد علي هذا في الوقت الراهن‏,‏ الثورة الاتصالية التي مكنت الناس عبر أقطار العالم علي تبادل الأفكار حول المواطنة والمجتمع المدني‏.
أدت تطورات النظام العالمي إلي تأثيرات شتي علي المواطنة لعل أهمها شيوع العلاقات المتعددة الاطراف وظهور الاقليمية الجديدة‏,‏ لعل من أبرزها الاتحاد الأوروبي‏,‏ والذي أدي إلي ظهور مواطنة أوروبية بالاضافة إلي المواطنات الاقليمية المتعددة‏.‏ وقد واجهت المواطنة الكلاسيكية إرهاصات الأزمة عندما دخل العالم في التجربة السياسية للتكتلات الكبرى ونخص بالذكر منها الاتحاد الأوروبي. لقد تتبع الكثير من الجدال الساخن حول معضلة المواطنة في ظل هاته التكتلات، فقد إعتاد القوم في أوروبا إلى إبداع ما أطلقوا عليه "المواطنة الأوروبية". وكان على الساسة والباحثين أن يؤثثوا هذا المفهوم المركب والجديد بترسانة من القيم المستجدة من البيئة وقبول وضع اللجوء والتنمية المشتركة والدفاع المشترك ... الخ واللائحة طويلة. والاتجاه يسير نحو إقرار دستور للاتحاد يكون مضمونه تعاهديا بالاتفاق على الحدود الدنيا من الاشتراطات القانونية والسياسية. هكذا فإن قيام الاتحاد الأوروبي – الذي بدأ صغيرا وهو آخذ في الاتساع- أدخل تعديلات على رابطة المواطنة وبالتالي على الدولة والمجتمع، وتمثل هذه التعديلات مدخلا نحو إزالة الموانع التي كانت تفرضها الحدود الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية للانتقال من عهد الأوطان إلى عهد الكيان السياسي الكبير الخارق للحدود، وإنشاء فضاء أوسع ينتقل فيه الأوروبيون بكامل الحرية، وما يستتبع ذلك من حمايات قنصلية ودبلوماسية وتوحيد للعملة والرخص والوثائق التعريفية والجوازات وغيرها.
ويمكن القول أنه بإنشاء الاتحاد الأوروبي برز شكل جديد من المواطنة بحيث لا تكون علاقتها بدولة واحدة بل تتجاوزها من الدولة الواحدة إلى مجموع الدول التي توحدها نصوص دستورية ومواثيق تنسق السياسات والمواقف والبرامج في كافة المجالات . أكيد أن مسألة الفكر في أوروبا عدم اهتدائه إلى مصطلحات جديدة موافقة لتوصيف هذه الطفرة النوعية في البناء السياسي للدولة والمجتمع. والذي يزيد في حدة هذه المأساة أن العقل الأوروبي الجمعي تنبه بشكل غير موعى به إلى بروز معالم "هوية بين وطنية" تشاركية وتعاهدية كفيلة بان تقوي الوعي الأوروبي العام باعتماد متبادل بين الدول ومكونات المجتمعين السياسي والمدني.
وحين هلّت العولمة وترسخت اختياراتها ومناهجها وممارساتها لم نعد أمام إرهاصات أزمة، بل دخلنا في عمق الأزمة سواء بالنسبة (للدولة –الوطن) أو المجتمع أو المواطنة وأصبحنا وجها لوجه أمام تصور لرابطة كونية لم يعثر بعد على كلمة أو مصطلح يعبر عنها، يطلق عليها مؤقتا "المواطنة الكونية أو الكوكبية" ذلك ما دفع (ألان تورين) إلى الإقرار بأن رابطة المواطنة تعاني اليوم أزمة عميقة. إن النظام العولمي يتجه حاليا إلى الشروع في عملية تشبيك للدولة في العالم بأسره يحول دون اشتغال أية دولة خارج الشبكة الكوكبية بضغوطها وإكراهاتها الاقتصادية بالأساس والسياسية والثقافية والاجتماعية بالتبعية. الماسك بميكانيزمات اشتغال الشبكة هو رأس المال العالمي الذي هو لحد الآن تحت الوصاية المطلقة للشركات العملاقة الأمريكية. لقد أصبحت دولة الفضاء الوطني خرافة، لذلك نحن على حد قول (أرجون أبادوري) "في حاجة إلى تقنيات نظرية وسياسية تمكننا من تدبير الهوية والوطنية بمصطلحات مستقلة، إنها مسألة أساسية، وعلى السياسات أن تشجع تعدد الهويات بدلا من تشجيع المواطنة الواحدة"[8].
ويمكن القول إن تبلور وعي كوني بصورة متزايدة قد يؤدي إلي بروز مواطنة كونية رخوة‏.‏ ولعل هذا مادعا بعض الباحثين إلي اقتراح انشاء جمعية عامة للشعوب علي غرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم في عضويتها الدول‏.

صور جديدة للمواطنة:
اجتهد بعض علماء الاجتماع في حصر صور المواطنة الجديدة التي أبرزتها التطورات العالمية الراهنة‏,‏ ومن أبرزهم جون يوري أستاذ علم الاجتماع في جامعة لانكستر في بريطانيا‏.‏ وله دراسة مهمة منشورة عن العولمة والمواطنة جاء فيها أن هناك صورا جديدة ابتدعت للمواطنة هي بإيجاز شديد‏:‏
‏1‏ـ المواطنة الايكولوجية أو البيئية وهي تتعلق بحقوق والتزامات مواطن الأرض‏.‏
‏2‏ـ مواطنة الأقلية وهي تتضمن حقوق الدخول في مجتمع ما والبقاء في هذا المجتمع‏.‏
‏3‏ـ المواطنة الكوزموبوليتانية وهي تعني كيف ينمي الناس اتجاها إزاء المواطنين الآخرين والمجتمعات والثقافات الاخري عبر الكوكب‏.‏(9)
المواطنة متعددة الثقافات:
تقوم فكرة "المواطنة متعددة الثقافات" التي يطرحها البروفيسير طارق مودود على حقيقة أن لكل مواطن في المجتمع حقوقا فردية باعتباره فردا وليس باعتباره جزءا من جماعة معينة، فالمواطنة ليست هوية أحادية منفصلة بشكل تام عن الهويات الأخرى، ومن حق كل جماعة أو طائفة داخل المجتمع أن يكون لها وجود في المجتمع المدني، وأن تعبر عن نفسها وعن رؤيتها للجميع، ولذلك فإن المواطنة عبارة عن حوار متواصل بين أطراف متعددة يسمح لكل طائفة بأن تتوافق أو تعدل من رؤية الطوائف الأخرى انطلاقا من منطق التعايش مع الآخرين.
فالمواطنة في أبسط معانيها تنطوي على حق مزدوج في أن يعرفك الآخرون، وأيضا حقك في الكفاح من أجل اعتراف الآخرين بك، ولذلك فإن المواطنة تتكون من مجموعة من الحقوق والممارسات للمشاركة الجماعية التي تعبر عن الوعي بالخصائص المشتركة بين الطوائف والأقليات جميعها داخل نفس الدولة، حتى إن تباينت فيما بينها فإن هناك مساحات مشتركة بين الجميع؛ لذا فإن التغيير لا يجب أن يتم من قبل الدولة أو الحكومة أو بقوة القانون، بل يجب أن يكون لأفراد المجتمع أنفسهم دور في الدفع تجاه التغيير بحشد قوى جماعات الضغط ومؤسسات المجتمع المدني.
والمواطنة ليست قاصرة على الدولة وحدها، بل إنها تتوزع عبر المجتمع وتناسب النماذج الثقافية المتعددة داخل المجتمع، وتعبر عنها على نحو يخالف نظام الطوائف أو الملل الذي أحدثته الإدارة العثمانية إبان الخلافة العثمانية الذي كان يسمح لكل الطوائف والأقليات أن تعيش وفق مبادئ معتقداتها أو شرائعها، فهذه المواطنةتسعى للتجميع لا التفريق، وبالتالي تهيئ للجميع المساواة في إطار هذه المواطنة. ويرى البروفيسير طارق مودود أن الأمر لا ينظر إليه فقط في سياق الحكمة الواقعية بل أيضا أنه يعد من صميم أخلاقيات ومبادئ المواطنة متعددة الثقافات التي يجب أن تسعى لاحتواء كل الجماعات المهمشة وتدير معها الحوار لتصل للفهم المتبادل[10].


[1]http://www.resp-act.net/civil_rights/CR370
[2]http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=19&article=350673&issueno=9955
[3]http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_4271000/4271316.stm
[4]http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/3/29/writ3.HTM
[5]http://www.resp-act.net/FAQs/Civil_Rights/CR370/FAQ3702.php
[6] سعيد عبد الحافظ، المواطنة : حقـوق و واجـبات، مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية، القاهرة، 2007، ص 10.
[7] عبد الحي المودن، مغاربة العالم، الانتماءات والمشاركة : رهان المواطنة، المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، الرباط 2-3 يونيو2007 ص ص 2-3.
[8]http://belkis73.jeeran.com/archive/2008/10/700511.html
[9-10]http://www.ahram.org.eg/Archive/2004/2/5/WRIT1.HTM



الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

الاهتمام الدولي بالتربية على حقوق الأفراد ذوي الإعاقة بواسطة بلسم المغذوي

إعداد: بلسم المغذوي


تمتد جذور صراع الإنسان من أجل الدفاع عن الكرامة والظفر بالحرية والمساواة إلى أزمنة سحيقة عبر التاريخ, وفي العقود الأخيرة تبلورت إحدى صيغ هذا النضال الإنساني في مفهوم حقوق الإنسان, والذي تطور ليشمل حقوقاً نوعية تراعي جميع حالات الإنسان وظروفه, ولا شك بأن حقوق الأفراد ذوي الإعاقة حظيت بمكانة بارزة في أجندة الشعوب المتقدمة, حيث يعكس الاهتمام بالأفراد ذوي الإعاقة أحد المعايير التي يقاس بها تقدم المجتمعات, لما يمتلكونه من قدرات تؤهلهم للمساهمة بأدوار فعالة في بناء وتنمية مجتمعاتهم عندما يحصلون على حقوقهم كأفراد إنسانيين.
وتحظى حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة باهتمام المنظمات الدولية والمحلية حول العالم, انطلاقاً من واقع تهميشهم من نيل حقوقهم الإنسانية, حيث يتعرض الأفراد ذوي الإعاقة للتمييز وعدم المساواة, كما أنهم يتعرضون أكثر من غيرهم لقيود وعوائق تحرمهم من حقوق التعليم والصحة والتوظيف والعيش المستقل في المجتمع والحقوق المدنية والالتزامات القانونية, ولا يحصلون على قدر كافٍ من المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية, على الرغم من أنهم يمثلون جزءاً لا يتجزأ من كيان المجتمع, وشريحة مهمة من شرائحه المختلفة, فحسب الإحصائيات العالمية تتزايد أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة على نحو مستمر لأسباب مختلفة, ويقدر أن هناك أكثر من مليار شخص من ذوي الإعاقة في العالم, أي حوالي 15% من سكان العالم, وأن هناك 785 مليون شخص أي ما يقدر بـ 15,6% ممن تبلغ أعمارهم 15 عاماً أو أكثر يعيشون مع شكل من أشكال الإعاقة, وتزداد هذه النسبة في البلدان النامية وذات الدخل المنخفض بالمقارنة مع الدول المتقدمة (منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي, 2011).
ويأتي الاهتمام بحقوق ذوي الإعاقة في المجتمعات الإسلامية منبثقاً من تعاليم وقيم الدين الإسلامي الحنيف الذي سبق الأنظمة والقوانين الدولية في الاعتراف بحقوق ذوي الإعاقة ومعاملتهم على قدم المساواة مع غيرهم, فالإعاقة في الإسلام ليست نقيصة ولا مبرراً للتجاهل, والآيات القرآنية التي تدل على ذلك كثيرة, منها قصة الصحابي الجليل عبدالله بن أم مكتوم في قوله تعالى: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى) (سورة عبس:1-4). ورغم أن حقوق ذوي الإعاقة تمثل امتداداً للحماية المكفولة في التعاليم الدينية والمعاهدات المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي ينبغي أن تسري على الجميع, إلا أن الأشخاص ذوي الإعاقة كثيراً ما يجري تهميشهم في النقاش المتعلق بالحقوق ولا يتمكنون من التمتع بكامل مجموعة حقوق الإنسان.
وتعد حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ممارسات تربوية وثقافية, إلا أنها ظلت فترة طويلة تنتهج نهجاً تقليدياً ومتجهاً نحو الأعمال الخيرية والطبية, مما دفع المجتمع الدولي إلى تبني وإعلان اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 2006 م ودخلت حيز التنفيذ في عام 2008 م, ووقعت عليها المملكة العربية السعودية من أجل حماية وصون حقوق المعاقين على قدم المساواة مع حقوق وكرامة الأشخاص غير المعاقين (الأمم المتحدة,2007), وتعتبر هذه الاتفاقية نتاج لعقود من الجهود المتضافرة في ميدان الأشخاص ذوي الإعاقة, ورد فعل للتاريخ الطويل من التمييز والتهميش داخل المجتمعات ضد ذوي الإعاقة, فقد ركزت على ضرورة التحول في طريقة تعامل المجتمعات مع هذه الفئة التي تشكل ما يقدر بـ 15% من سكان العالم, كما أكدت هذه الاتفاقية على أن الإعاقة ليست مسئولية الدولة وحدها, وإنما هي مسئولية مشتركة بين الدولة ومختلف الفاعلين والشركاء من أجل كفالة تنفيذها (عبد السلام, 2015).
وعلى الرغم من المعاهدات والاتفاقيات الدولية والمحلية, فإن واقع ثقافة حقوق ذوي الإعاقة يتحدث عن قصور واضح في الوعي بها وممارستها في مجالات الحياة المختلفة, فالدراسات المسحية التي أجريت في 13 بلداً منخفض ومتوسط الدخل, أظهرت أن احتمالية التحاق الأطفال ذوي الإعاقات في الفئة العمرية 6 أعوام-17 عاماً بالمدرسة تقل إلى حد كبير عن احتمالية التحاق الأطفال غير المعاقين بها (يونسيف,2013), كما يؤكد خطابي (2006) ضعف تقبل المجتمع للمعاقين, وأن الواقع الاجتماعي في المجتمع العربي لا يعكس فعلياً حصول المعاقين على حقوقهم التي ضمنتها لهم المعاهدات والاتفاقيات الدولية والمحلية, وأوصى بضرورة دمج وتقبل المعاقين في شتى مجالات الحياة الاجتماعية وتعزيز الشعور بالانتماء والمواطنة لديهم (خطابي, 2006), بالإضافة إلى ذلك فقد جاء في تقرير الأمم المتحدة أنه على الرغم من التقدم الكبير في الإطار المعياري المعني بالإعاقة خلال العقود الثلاثة الماضية فقد اتخذت إجراءات محدودة على أرض الواقع, وكان من العوامل المساهمة في ذلك عدم فهم الإعاقة على أنها قضية من قضايا التنمية  الشاملة, وبالتالي فإن النجاح في مسائل الإعاقة يكمن في زيادة الوعي بها وزيادة تقدير مكانتهم وحقوقهم في المجتمع (الأمم المتحدة,2013).
وتعاني قضية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من قصور واضح في التعامل معها بسبب افتقادها لوجود ثقافة مستنيرة لدى المجتمع تحترم آدميتهم, وحصولهم على حقوقهم في مختلف الميادين وجميع المستويات, لا من باب العطف عليهم والإحسان إليهم, بل باعتبارهم عنصراً بشرياً بإمكانه العطاء والتميز والمشاركة في بناء المجتمع, وتشمل ثقافة التعامل مع ذوي الإعاقة الإيمان بكامل حقوقهم التي كفلتها لهم المواثيق الدولية والمحلية, ويستلزم هذا تثقيف الناس وتبصيرهم بالحقائق العلمية في هذا الشأن, ولا شك بأن للمؤسسات التربوية دور هام في إشاعة الإيمان بحقوق ذوي الإعاقة ونشرها بغرض تأسيس مستلزمات التعليم والتأهيل اللازمة لإدماج ذوي الإعاقة في الطاقة البشرية المنتجة في المجتمع واستثمار قدراتهم عن طريق التربية السليمة بدلاً من نبذهم وحرمانهم من كرامتهم الإنسانية (سكران,2012).
إن مدى جدوى المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بحقوق الأفراد ذوي الإعاقة تظل محدودة مالم يتم استيعابها وممارستها, والملحوظ أن هناك حاجة لنشر ثقافة حقوق المعاقين معرفياً وقيمياً بين أطياف المجتمع, الأمر الذي يدعو إلى ضرورة تفعيل دور التربية والتعليم في تعميق ثقافة حقوق ذوي الإعاقة لدى الأفراد العاديين, من خلال الوعي والتعريف بها, وتنمية مهارات التعامل مع ذوي الإعاقة, وتعزيز القيم التي تشجع على الاهتمام بهم وتقبلهم وحفظ حقوقهم كأي أفراد عاديين باعتبارهم جزءاً أصيلاً من المجتمع.
المراجع والمصادر:
القرآن الكريم.
الأمم المتحدة (2007). اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. نيويورك: مركز وثائق الأمم المتحدة.
خطابي, أحمد (أكتوبر 2006). الواقع الاجتماعي وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع العربي. مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والإنسانية, جامعة الشارقة, الإمارات العربية المتحدة, مج (3), ع (3), ص ص 121- 138
الأمم المتحدة (2013). سبل المضي قدماً: وضع خطة تنمية شاملة لمسائل الإعاقة حتى 2015 وما بعده. الدورة الثامنة و الستون, نيويورك: مركز وثائق الأمم المتحدة.
سكران, محمد محمد (2012). نحو ثقافة مستنيرة للتعامل مع ذوي الإعاقة. مجلة رابطة التربية الحديثة, مصر, مج (5), ع (16), ص ص 13-28
عبد السلام, زروال (2015). حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في إطار اتفاقية الأمم المتحدة. مجلة جيل حقوق الإنسان, مركز جيل البحث العلمي, الجزائر, ع (6,7), ص ص 155-170
منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف (2013). وضع الأطفال في العالم 2013 الأطفال ذوو الإعاقات. يونيسيف.
منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي (2011). التقرير العالمي حول الإعاقة. منظمة الصحة العالمية, مالطة.

قضية حقوق الإنسان (رؤية تربوية) بواسطة: بلسم المغذوي

إعداد: بلسم المغذوي

تعد قضية حقوق الإنسان واحدة من أبرز قضايا التربية الدولية, وتمثل نداءً تكرراً للمنظمات والهيئات الدولية والمحلية في اتجاه تأصيل ثقافتها, وتعزيز قيمها بين أفراد المجتمع.

ومن الناحية التربوية, تتسق ثقافة حقوق الإنسان مع المرتكزات الأساسية المستمدة من الاسلام التي تقوم عليها التربية وتعبر حقوق الانسان عن جملة من الحقوق في كل مجالات الحياة، مثل الحق في الغذاء والصحة والعمل والمناشط الاجتماعية والسياسية وحرية التفكير والمعتقد والرأي والحق في التعليم .

وعلى الرغم من إقرار كثير من الدول بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلا أن الانسان حول العالم لايزال يناضل من أجل حقوقه وحرياته الاساسية

ويلقي الكثير المسئولية في ذلك على عاتق المفكرين, والمربين, والمؤسسات التربوية والتعليمية، إذ أنها تفوق مسؤولية الحكام وأنظمة الحكم, ولكن الجميع في النهاية مشترك وبدرجات متفاوتة  في ضياع حقوق الانسان العربي وحرمانه إن لم يكن في صنعها فعلى الأقل في تبريرها أو السكوت عنها, ولاشك بأن الأسرة تعد المؤسسة التربوية الأولى المسؤولة عن التربية على حقوق الانسان, ففيها ينشأ الطفل ويترعرع ويتشرب ثقافته وقيمه الأولى (البلعاوي,2001).

وإذا كانت التربية الصحيحة لحقوق الإنسان تمتاز بأنها تربية شاملة, فإنه يجدر بها أن لاتقف عند مستوى التعليم المبرمج داخل الفصل الدراسي, وإنما يتطلب الأمر التأسيس للمستوى التربوي منذ مراحل التربية الأولى داخل الأسرة والعائلة.

ولابد من تعزيز التربية على حقوق الإنسان ليس فقط في المدارس ولكن أيضاً وراء جدران الفصل سواءً أكان ذلك في الفضاء المدرسي, أو الفضاء العام, فالمدرسة ليست وحدها معنية بهذا الشأن, وإنما هناك أيضاً ما يسمى بالمدرسة الموازية أي وسائل الإعلام والاتصال الحديثة التي تلعب دوراً هاماً فيما بعد (الانتصار,2000).

ويأتي بعد الاسرة دور المؤسسات التعليمية, وهي جزء من النظام الاجتماعي الأكبر, ولذلك فهي تعكس بصورة أو بأخرى أنماط العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع, ومن هنا يتضح أن التعليم في بنيته وفي توجهه هو تعليم طبقي وقائم على الطبقية, وذلك في ظل وجود مدارس متميزة, ومدارس خاصة استثمارية, ومدارس للفقراء, ومدارس للريف, ومدارس للحضر, ومدارس للغات الأجنبية, ومدارس أجنبية.

ولذلك فإن الفرصة التعليمية فرصة غير متكافئة, وارتبطت بالمقدرة الاقتصادية في السنوات الأخرى, حيث يصبح من يملك المال يستطيع أن يحصل على خدمة تعليمية في ضوء ما يقدم بشكل أفضل وأيسر من غيره غير القادر على دفع هذه التكلفة.

ويلعب المنهج الخفي داخل أسوار المدرسة, وما تقدمه القيادة أو الإدارة أو المعلمين خارج المناهج الرسمية واللوائح والقوانين دوراً كبيراً إما في تعزيز حقوق الإنسان أو تهميشها, إلا أن الغالب على المشهد الواقعي اليوم هو أن المدرسة تنحصر مهمتها في إكساب الطلاب مجموعة من المعارف, والعلوم التي تحدد مستواهم بالمراحل المختلفة, وتغفل تعزيز قيم حقوق الإنسان, حيث تمثل قضية مسكوت عنها, أو مهمشة, أو ليست ذات الأولوية مقارنة بالحصول على الشهادات والدرجات المرتفعة (بدران,2011).

وتستنتج الكاتبة من وجهة نظرها, أن ترديد شعارات حقوق الإنسان نظرياً وبصيغ تقليدية لن يكون لها جدوى في تقدم المجتمع أو تحقيق التنمية مالم يبدأ ذلك عملياً في الأسرة وتتضافر معها جميع مؤسسات وانظمة المجتمع كتنمية شاملة, وذلك مروراً بالمدرسة والجامعة ووسائل العلام وغيرها.

المراجع:

الانتصار, عبد المجيد (2000). التربية على حقوق الإنسان. مجلة فكر ونقد: المغرب, ‘(30), ص ص 63-74

بدران, شبل ( 2011). المواطنة وحقوق الإنسان. مجلة رابطة التربية الحديثة. مج(4), ع(11), ص ص 13-31

البلعاوي, سيف الدين محمد (2001). التربية على حقوق الأنسان واقع وآفاق. مجلة جامعة الأقصى سلسلة العلوم الإنسانية, جامعة الأقصى بغزة: فلسطين, مج(5), ع(1), ص ص 144-194

الديمقراطية في المجتمعات الغربية، وأثرها على المجتمعات العربية


الديمقراطية في المجتمعات الغربية، وأثرها على المجتمعات العربية
إعداد : سارة المحيسن

إن أحد القضايا الدولية الهامة في المجتمعات الغربية والعربية هي قضية الديمقراطية وأبعدها على مختلف المجتمعات، يقول الحمد (١٩٩٩): (لا نستطيع اليوم إلا أن نقر بعالمية الديمقراطية والإيمان الإنساني المشترك بقيمها العالمية، مثل المساواة والحرية الفردية وتكافؤ الفرص، وغير ذلك من قيم تتضمنها الديمقراطية٠، رغم أنها غربية صرفة، فقد أصبحت الديمقراطية اليوم جزءاً من الثقافة العالمية المشتركة التي يزداد الإيمان بقيمها يوماً بعد يوم، وهذا مؤشر كبير على مدى (العالمية) التي اكتسبها مفهوم الديمقراطية والمُثُل الديمقراطية.
فلقد تأثرت النظم والشعوب العربية بعد شيوع الديمقراطية في العالم الغربي، رغم أنها لازالت الدكتاتورية هي الطابع الأغلب في البلدان العربية ، إلا أنها قللت من حدتها، فلقد أصبح مؤخراً للمواطن في بعض دول العالم العربي صوت مسموع، أو بالأصح لم يصبح بذلك الخوف عند إبداء وجهة نظره في بعض الأمور السياسية، وغيرها من الأمور على جميع الأصعدة، فمثلاً الطالب في المدرسة أصبح يناقش أستاذهُ وربما يخالفهُ في الرأي، على عكس السابق وما كانت عليه الأجيال الماضية، حيث أن السمع والطاعة هي الديدن في جميع مؤسسات التربية، بدء من المدرسة والبيت وانتاءً بالمجتمع، ولقد أصبح الفرد اليوم أكثر وعياً وأكثر إبصاراً بحق الفرد في حريته وفي إبداء وجهة نظره.
إن العالم العربي لازال يتعرض للعديد من المعوقات التي تعيق الديمقراطية والحرية الشخصية، وقد طرحت مجموعة من أهم معوقات الديمقراطية في العالم العربي وهي :
1.الفرد –المجتمع: أي المعوقات الذاتية عند المواطن العربي والمعوقات الاجتماعية الموضوعية المرتبطة بتركيبة هذا المجتمع ومستوى تطوره؛ أي العادات والتقاليد ونسبة الأمية ودخل الفرد والى آخره من المتغيرات النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
2.الدولة: أي المعوقات المؤسسية في الدولة. هل يوجد في هذه الدولة مؤسسات قائمة وتعمل كمؤسسة؟ وما هو وضع المؤسسات المدنية والأحزاب في هذه الدولة؟.
3.النظام الإقليمي: وتعني التحديات الخارجية الذي يفرضه النظام الإقليمي على بناء الديمقراطية في الدولة، وفي حالتنا هذه الصراع العربي الإسرائيلي وما يفرضه من تحديات على الواقع العربي.
4.النظام الدولي: أي مصالح الدول الكبرى التي قد تنسجم أحيانا وتتضارب أحيانا أخرى مع مصالح هذه الدول والجماهير وتأثيرها على بناء النظام الديمقراطي.
الفرد – المجتمع:
المقصود هنا مستوى تطور الأفراد في المجتمع وقابليتهم للقبول بالرأي والرأي الآخر ومدى قدرتهم على قبول الحسم بالطرق الديمقراطية وليس بوسائل قمعية. وواضح أن هذا متعلق بمتغيرات كثيرة مثل: المستوى التعليمي، الاقتصادي، والعادات والتقاليد الخ.. ويبدأ من مؤسسة الأسرة أي التعامل مع الزوجة والأولاد وصولا إلى أكبر المؤسسات كالبرلمان مثلا. وبالمقابل هل نحن كأفراد مستعدون أن نمنح ولاءنا بالدرجة الأولى للدولة ومؤسساتها أم لا؟ ولتجسيد الفكرة نقترح أن يسأل كل فرد منا نفسه سؤالا ويحاول أن يجيب عليه بصراحة ولو بينه وبين نفسه ليكتشف بنفسه مدى قابليته ليكون جزءا من مجتمع مدني قادر على التطور: لمن ولاؤه الأول والذي هو مستعد أن يضحي بحياته من أجله؟ هل هو للعائلة أم للقبيلة أم للمذهب أم للدين أم للدولة الوطنية؟ فبناء دولة ديمقراطية يفرض على الفرد أن يقدم ولاءه للدولة على كل ولاء آخر، ولكن هذا لا يعني إلغاء ولاءاته الأخرى وإنما إذا ما تناقض أي ولاء مع الولاء للدولة فعلية تفضيل الدولة.
 
وهنا يجب أن نتعلم كيف نخرج من القوقعة الطائفية والقبلية والدينية إلى ساحة الدولة الأوسع، فلا يمكن أن نلغي أو نوحد الطوائف والأديان، ولكن يجب أن نبتكر آلية تعامل، أي أن نترجم العلمانية ليس فقط على مستوى الدولة وإنما على مستوى الأفراد سلوكا على أرض الواقع، فإذا تناقضت المصلحة الطائفية مع مصلحة الدولة القومية فيجب أن يكون الفرد على مستوى من الوعي يجعله قادرا على أن يفصل ويعطي الأولوية لولائه لدولته ولدستوره الذي يحفظ له حريته ومشاركته وبالنتيجة يحفظ له الحق في الولاء الطائفي ولكن ضمن معادلة ديمقراطية صحيحة.
 
فالديمقراطية إذن هي كالنسيج المرن الحي الذي يلقى على الواقع الاجتماعي فيأخذ هذا النسيج شكل هذا الواقع، وتحدث علاقة جدلية بينهما أي بين الآلية الديمقراطية وبين هذا الواقع الاجتماعي تؤدي إلى ممارسة ثم تذويت ثم نقد وتعلم ثم تراكم خبرات ثم تعديل وتطوير حيث تتراكم التعديلات كميا مما يؤدي مع الزمن إلى تغيير نوعي في السلوك، الأمر الذي سيترك أثره على البنية الاجتماعية فيتعدل شكلها وهكذا يتعدل شكل النسيج الديمقراطي ويسير نحو الأمام أي يتطور. فإذا عدنا إلى المثال الحي في لبنان نرى أن النسيج الديمقراطي اللبناني يأخذ شكل الواقع الاجتماعي الطائفي، وأن ولاء اللبنانيين أولا إلى طوائفهم ثم إلى لبنان. فكل يتمترس في مكانه ويطالب في حصته في هذه الدولة لأن هيكل وماهية نظام الدولة ليس ديمقراطيا، وإنما هو قائم على المحاصصة الطائفية فهو يعرقل ويمنع التطور باتجاه مجتمع مدني يكون فيه ولاء اللبنانيين إلى مؤسسات الدولة وليس الطائفة. كذلك في العراق فنظامها الديمقراطي قائم على تكريس الواقع من خلال المحاصصة (الرئاسة الشكلية للأكراد، رئاسة الوزراء للشيعة، رئاسة البرلمان للسنة) فالانتخابات التي تجري هناك تقوم عل أساس طائفي وقبلي لأن النسيج الديمقراطي يأخذ شكل الواقع الاجتماعي.
 
إذن الواقع الاجتماعي في الدول العربية يشكل أحد أهم المعوقات أمام الديمقراطية. فدولة فيها تعدد ديني وطائفي وقبلي كاليمن مثلا يصبح فيها بناء الديمقراطية تحديا كبيرا للثورة في هذه البلد خصوصا في ظل التخلف والأمية.

المراجع :

الحمد، تركي (١٩٩٩). الثقافة العربية في عصر العولمة، (ط٤). دار مدارك للنشر، دبي.

ظاهرة الشذوذ الجنسي في المجتمعات الغربية وأثرها المتوقع على المجتمعات العربية



ظاهرة الشذوذ الجنسي في المجتمعات الغربية وأثرها المتوقع على المجتمعات العربية.
                                                                               إعداد: سارة المحيسن


إننا حين نناقش ظاهرةً دولية ذاع صيتها في المجتمعات الغربية فهذا يعني أننا معنيين بها، حيث أن مجتمعنا العربي مع الإنفتاح الثقافي ومع تطور وسائل التواصل بين المجتمعات سيصبح جزء من ذلك المجتمع بشكل ما، بالتالي لم تصبح قضايا الغرب تخصهم فقط، بل أصبحنا جزءً منها وأصبح شبابنا وأجيالنا معرضون لمثل تلك القضايا.
إن قضية السماح بزواج الشاذين جنسياً القضية التي أُثيرت مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية بعد قرار السماح الذي أُصدر قبل أربعة أشهر لابد أن له أبعاداً اجتماعية وثقافية على عالمنا العربي، أي أن القضية أصبحت أكثر جرأةً بعد أن تم السماح بذلك رسمياً ، ولا يستعبد أن أعداد الشاذين جنسياً تزداد يوماً بعد يوم بعد هذا القرار الجريء والمدمر لفئة الشباب خصوصاً، فكونه طرح في المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية ويقر بالموافقة عليه يعني ذلك أنه لا حرج من أن يفصح الشاذون جنسياً عن ميولهم الشاذة.
وإن دور التربويين في العالم العربي تجاه مثل هذه القضايا هو دور كبير حيث أن العائق الأكبر يوضع على أكتافهم في حوار المجتمع في مثل هذه القضايا وسبل علاج المجتمعات وتثقيفهم بها قبل أن تتفشى ويصعب علاجها، ودور التربويين يكون في طرق ووسائل مختلفة ، من خلال الإرشادات في المدارس للطلاب والإجتماع أيضاً بأولياء الأمور وإلفات نظرهم لمثل هذه القضايا الخطيرة في المجتمع، وعن طريق وضع حلول وسبل لعلاج لتلك الفئة، وعن طريق إنشاء مراكز للعلاج وعيادات تستقبل مثل هذه الفئة، أيضاً في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يجب أن يشعر وأ يعرف الشاذ جنسياً بخطورة هذا الأمر وحرمته شعراً، وأن يدرك الذنب العظيم الذي يكتسبه من يمارس مثل هذه العادات والآثار المترتبة على مثل هذه السلوكيات.
ولا نهمل أثر جماعة الرفاق التي يتخذها الإبن أو الإبنة أصدقاءً لهم، حيث أن للرفقة تأثير كبير على السلوكيات والممارسات التربوية،فمن واجب أولياء الأمور أن يحرصوا على جماعة الرفاق وأن يرشد التربويون الأباء إلى أهمية الرفيق في حياة ابنه ، فالطفل أحياناً بحكم عمل الأم والأب ربما يقضي ساعات طويلة بمفرده مع العمالة المنزلية وهذا خطأ كبير، إن الصحف والجرائد تطرح مئات المشاكل كل يوم من آثار مثل هذه التصرفات من قِبل الأباء، فالواجب هنا هو توعية الأسر عن طريق مجالس الأباء في المدارس، وعن طريق الندوات، وعن طريق الإعلام ، أيضاً مقاطع الفيديو التوعية للأطفال بحيث يطرح الموضوع بشكل يتناسب مع عمر الطفل وإدراكه.

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

المناهج ذات الطابع الدولي إعداد: سارة الايداء

المناهج ذات الطابع الدولي  

The Curricula Related with the International Dimension 


من البديهي لدى التربويين أن المناهج والمقررات الدراسية في كل نظام تعليمي تبنى على أسس فلسفية وتربوية تخدم أهدافاً وطنية. وقد يختلف وضوح تلك الأهداف ومباشرتها من منهج إلى أخر. ولكن لابد أن يكون لكل منهج أهدافاً يسعى لتحقيقها, وأن تعددت الطرق والاساليب لذلك. (خليل, 2013)
أن طريقة تقديم الحقائق وتفسيرها عامل مؤثر في إعطاء الحكم عليها واتخاذ المواقف تجاهها. لذا سعت كل ثقافة وكل نظام سياسي إلى تقديم تلك الحقائق من خلال المناهج والمقررات. فقد كان من أهم أهداف التربية على مر العصور بما في ذلك العصر الحديث هو جعل التلاميذ يرون الاحداث التاريخية بما يخدم الايدولوجية التي يقوم عليها النظام التربوي ويسعى لتثبيتها. وقد أدركت منظمة اليونسكو أهمية تغير المناهج والمقررات الدراسية خاصة في الدول التي تعاني من الصراعات. ولعل السبب في تزايد المشكلات التي يعاني منها العالم اليوم يعد إلى عدم إدراك الافراد والمجتمعات لمعني ومفهوم التعاون بين الامم والشعوب. إذ أن هذا المفهوم يجب أن ينمو مع الفرد منذ طفولته المبكرة. وهذا يعني تحميل التربية المسؤولية في هذا المجال. (البوهي, 2014)
ولهذا نجد أن للتربية الدولية أهمية في نمو الافراد العالمين وقد أكدت دراسة جونس johns (1991) على أن إضفاء البعد الدولي على كل مناهج التعليم, ولابد من دمج مناهج التربية الدولية داخل المناهج التربوية لتحقيق أهداف التعليم العام.
وقد أشارت دراسة رجاء عيد (1992) إلى مدى أهمية إدماج مناهج التربية الدولية في جميع مراحل التعليم من مرحلة رياض الاطفال حتى المرحلة الثانوية من خلال تخصيص وحدات صغيرة للتربية الدولية أو تخصيص مقررات دراسية كاملة على مستوى المرحلة الثانوية إلى جانب تأكيد هذه المناهج على تدعيم السلام العالمي وتوضيح الفرق بينه وبين الحرب.

ماهية المناهج ذات الطابع الدولي:
 هي التي تسعى إلى تضمين المقررات الدراسية دروساً عن السلام وحقوق الانسان والديمقراطية وتوفير تعليماً حقيقاً لروح المواطنة ينطوي على بعد دولي ينمي قدرات التعليم للعيش معاً في عالم واحد, كذلك تسعى الى التطرق لمناقشة مشكلات الشباب كتعاطي المخدرات وانتشار مرض الإيدز وتقديم التوعية اللازمة عن طريق التعليم المدرسي, وكذلك في جميع المراحل التعليمية النظامية والغير نظامية. أن المناهج ذات الطابع الدولي ليست مجالاً جديداً للمعرفة حيث يمكن تحقيق هذه الاهداف دون الحاجه إلى وجود مادة منفصلة لهذا الهدف. وذلك عن طريق إثراء وتحديث المناهج المشتركة الحالية مثل اللغات الاجنبية والعلوم والتاريخ والجغرافيا التربية الوطنية, لكي تراعي الطابع العالمي مع الأخذ بالاعتبار ضرورة التفاهم بين الثقافات وتسخير العلم لأغراض التنمية البشرية المستدامة. (أحمد, 2012)
لذا يجب أن تراعي عدة مبادئ عند تناول التربية الدولية داخل المناهج الدراسية والتي من أهمها: (البوهي, 2014)
1.    إضفاء بعد دولي عالمي علي التربية لجميع مراحلها وكافة أشكالها والسعي  إلى فهم واحترام الشعوب وثقافاتهم وحضارتهم وقيمهم وأساليب حياتهم.
2.    الوعي بتزايد التكامل والتبادل بين الشعوب والأمم على الصعيد العالمي وتنمية القدرة على الاتصال بالأخرين والحوار.
3.    تنمية استعداد الفرد للإسهام والمشاركة الفاعلة في حل المشكلات الإقليمية والعالمية.
4.    تدعيم جهود الأمم المتحدة في تنمية أنشطتها الهادفة إلى الحفاظ على السلام.
5.    تعميق الايمان بحقوق الانسان والسلام وتشجيع التفاهم والتسامح الصداقة بين جميع الأمم والجماعات العرقية الدينية.

أهداف المناهج ذات الطابع الدولي:
§       تسعى صيغة المناهج ذات الطابع الدولي لتحقيق مجموعة من الأهداف والتي من أهمها:(خليل, 2013)
§       إتاحة الفرصة للشباب لاكتساب المعرفة حول القضايا العالمية الكبرى, وتطوير المواقف والقيم تجاهها, وتبني أنشطة تعزز الوعي بأهمية إيجاد حلول للمشكلات العالمية.
§       تعزيز بناء قيم وقدرات إيجابية لدى الشباب مثل التضامن و التعاون والحار والتسامح والقدرات الابداعية والشعور بالمسئولية.
§       إزالة كل أشكال التعصب والتميز  بجميع أنواعه والعنصرية والعنف, والتأكيد على كيفية التعليم للعيش معاً في عالم واحد.
§       إعطاء اهتمام خاص بحقوق الأقليات والمهاجرين وأي فئة اجتماعية أو ثقافية مهمشة.
§       احترام معرفة ثقافة الاخر على المستويين الدولي والوطني في ضوء مدخل التعليم متعدد الثقافات.
§       غرس مهارات التفاعل مع الغير والحوار والمناظرة.
§       الاهتمام بدور الامم المتحدة و وكالاتها المتخصصة في حل النزاعات الدولية ونشر السلام العالمي.
§       تناول قضايا البيئة بما تتضمن معالجة أسباب وآثار النظام البيئي على المستويات المحلية والوطنية والعالمية, باعتبارها قضايا مهمة.
§       تنمية إحساس الطلاب بقيمة الحرية وتقديرها, والقدرة على الاتخاذ القرار المبني على الاطلاع والتفكير التأملي والناقد.

المراجع والمصادر:
§        أحمد, أحمد إبراهيم (2012). التربية الدولية, دار الفكر العربي, القاهرة
§        البوهي, فاروق شوقي (2014). التربية الدولية, دار المعرفة الجامعية, القاهرة.
§        خليل, نبيل سعد (2013). التربية الدولية أصلها وتطبيقاتها. دار الفجر للنشر والتوزيع, القاهرة.
§        عيد, رجاء (1992). التربية من أجل التفاهم الدولي, مجلة دراسات المناهج وطرق التدريس, ع4, ص ص  86-92, القاهرة.

Brabanakay, Johns (1991). The quest for Glabal Education, Dissertation Abstracts International, vol51, no11 p36.