الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

الاهتمام الدولي بالتربية على حقوق الأفراد ذوي الإعاقة بواسطة بلسم المغذوي

إعداد: بلسم المغذوي


تمتد جذور صراع الإنسان من أجل الدفاع عن الكرامة والظفر بالحرية والمساواة إلى أزمنة سحيقة عبر التاريخ, وفي العقود الأخيرة تبلورت إحدى صيغ هذا النضال الإنساني في مفهوم حقوق الإنسان, والذي تطور ليشمل حقوقاً نوعية تراعي جميع حالات الإنسان وظروفه, ولا شك بأن حقوق الأفراد ذوي الإعاقة حظيت بمكانة بارزة في أجندة الشعوب المتقدمة, حيث يعكس الاهتمام بالأفراد ذوي الإعاقة أحد المعايير التي يقاس بها تقدم المجتمعات, لما يمتلكونه من قدرات تؤهلهم للمساهمة بأدوار فعالة في بناء وتنمية مجتمعاتهم عندما يحصلون على حقوقهم كأفراد إنسانيين.
وتحظى حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة باهتمام المنظمات الدولية والمحلية حول العالم, انطلاقاً من واقع تهميشهم من نيل حقوقهم الإنسانية, حيث يتعرض الأفراد ذوي الإعاقة للتمييز وعدم المساواة, كما أنهم يتعرضون أكثر من غيرهم لقيود وعوائق تحرمهم من حقوق التعليم والصحة والتوظيف والعيش المستقل في المجتمع والحقوق المدنية والالتزامات القانونية, ولا يحصلون على قدر كافٍ من المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية, على الرغم من أنهم يمثلون جزءاً لا يتجزأ من كيان المجتمع, وشريحة مهمة من شرائحه المختلفة, فحسب الإحصائيات العالمية تتزايد أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة على نحو مستمر لأسباب مختلفة, ويقدر أن هناك أكثر من مليار شخص من ذوي الإعاقة في العالم, أي حوالي 15% من سكان العالم, وأن هناك 785 مليون شخص أي ما يقدر بـ 15,6% ممن تبلغ أعمارهم 15 عاماً أو أكثر يعيشون مع شكل من أشكال الإعاقة, وتزداد هذه النسبة في البلدان النامية وذات الدخل المنخفض بالمقارنة مع الدول المتقدمة (منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي, 2011).
ويأتي الاهتمام بحقوق ذوي الإعاقة في المجتمعات الإسلامية منبثقاً من تعاليم وقيم الدين الإسلامي الحنيف الذي سبق الأنظمة والقوانين الدولية في الاعتراف بحقوق ذوي الإعاقة ومعاملتهم على قدم المساواة مع غيرهم, فالإعاقة في الإسلام ليست نقيصة ولا مبرراً للتجاهل, والآيات القرآنية التي تدل على ذلك كثيرة, منها قصة الصحابي الجليل عبدالله بن أم مكتوم في قوله تعالى: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى) (سورة عبس:1-4). ورغم أن حقوق ذوي الإعاقة تمثل امتداداً للحماية المكفولة في التعاليم الدينية والمعاهدات المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي ينبغي أن تسري على الجميع, إلا أن الأشخاص ذوي الإعاقة كثيراً ما يجري تهميشهم في النقاش المتعلق بالحقوق ولا يتمكنون من التمتع بكامل مجموعة حقوق الإنسان.
وتعد حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ممارسات تربوية وثقافية, إلا أنها ظلت فترة طويلة تنتهج نهجاً تقليدياً ومتجهاً نحو الأعمال الخيرية والطبية, مما دفع المجتمع الدولي إلى تبني وإعلان اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 2006 م ودخلت حيز التنفيذ في عام 2008 م, ووقعت عليها المملكة العربية السعودية من أجل حماية وصون حقوق المعاقين على قدم المساواة مع حقوق وكرامة الأشخاص غير المعاقين (الأمم المتحدة,2007), وتعتبر هذه الاتفاقية نتاج لعقود من الجهود المتضافرة في ميدان الأشخاص ذوي الإعاقة, ورد فعل للتاريخ الطويل من التمييز والتهميش داخل المجتمعات ضد ذوي الإعاقة, فقد ركزت على ضرورة التحول في طريقة تعامل المجتمعات مع هذه الفئة التي تشكل ما يقدر بـ 15% من سكان العالم, كما أكدت هذه الاتفاقية على أن الإعاقة ليست مسئولية الدولة وحدها, وإنما هي مسئولية مشتركة بين الدولة ومختلف الفاعلين والشركاء من أجل كفالة تنفيذها (عبد السلام, 2015).
وعلى الرغم من المعاهدات والاتفاقيات الدولية والمحلية, فإن واقع ثقافة حقوق ذوي الإعاقة يتحدث عن قصور واضح في الوعي بها وممارستها في مجالات الحياة المختلفة, فالدراسات المسحية التي أجريت في 13 بلداً منخفض ومتوسط الدخل, أظهرت أن احتمالية التحاق الأطفال ذوي الإعاقات في الفئة العمرية 6 أعوام-17 عاماً بالمدرسة تقل إلى حد كبير عن احتمالية التحاق الأطفال غير المعاقين بها (يونسيف,2013), كما يؤكد خطابي (2006) ضعف تقبل المجتمع للمعاقين, وأن الواقع الاجتماعي في المجتمع العربي لا يعكس فعلياً حصول المعاقين على حقوقهم التي ضمنتها لهم المعاهدات والاتفاقيات الدولية والمحلية, وأوصى بضرورة دمج وتقبل المعاقين في شتى مجالات الحياة الاجتماعية وتعزيز الشعور بالانتماء والمواطنة لديهم (خطابي, 2006), بالإضافة إلى ذلك فقد جاء في تقرير الأمم المتحدة أنه على الرغم من التقدم الكبير في الإطار المعياري المعني بالإعاقة خلال العقود الثلاثة الماضية فقد اتخذت إجراءات محدودة على أرض الواقع, وكان من العوامل المساهمة في ذلك عدم فهم الإعاقة على أنها قضية من قضايا التنمية  الشاملة, وبالتالي فإن النجاح في مسائل الإعاقة يكمن في زيادة الوعي بها وزيادة تقدير مكانتهم وحقوقهم في المجتمع (الأمم المتحدة,2013).
وتعاني قضية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من قصور واضح في التعامل معها بسبب افتقادها لوجود ثقافة مستنيرة لدى المجتمع تحترم آدميتهم, وحصولهم على حقوقهم في مختلف الميادين وجميع المستويات, لا من باب العطف عليهم والإحسان إليهم, بل باعتبارهم عنصراً بشرياً بإمكانه العطاء والتميز والمشاركة في بناء المجتمع, وتشمل ثقافة التعامل مع ذوي الإعاقة الإيمان بكامل حقوقهم التي كفلتها لهم المواثيق الدولية والمحلية, ويستلزم هذا تثقيف الناس وتبصيرهم بالحقائق العلمية في هذا الشأن, ولا شك بأن للمؤسسات التربوية دور هام في إشاعة الإيمان بحقوق ذوي الإعاقة ونشرها بغرض تأسيس مستلزمات التعليم والتأهيل اللازمة لإدماج ذوي الإعاقة في الطاقة البشرية المنتجة في المجتمع واستثمار قدراتهم عن طريق التربية السليمة بدلاً من نبذهم وحرمانهم من كرامتهم الإنسانية (سكران,2012).
إن مدى جدوى المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بحقوق الأفراد ذوي الإعاقة تظل محدودة مالم يتم استيعابها وممارستها, والملحوظ أن هناك حاجة لنشر ثقافة حقوق المعاقين معرفياً وقيمياً بين أطياف المجتمع, الأمر الذي يدعو إلى ضرورة تفعيل دور التربية والتعليم في تعميق ثقافة حقوق ذوي الإعاقة لدى الأفراد العاديين, من خلال الوعي والتعريف بها, وتنمية مهارات التعامل مع ذوي الإعاقة, وتعزيز القيم التي تشجع على الاهتمام بهم وتقبلهم وحفظ حقوقهم كأي أفراد عاديين باعتبارهم جزءاً أصيلاً من المجتمع.
المراجع والمصادر:
القرآن الكريم.
الأمم المتحدة (2007). اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. نيويورك: مركز وثائق الأمم المتحدة.
خطابي, أحمد (أكتوبر 2006). الواقع الاجتماعي وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع العربي. مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والإنسانية, جامعة الشارقة, الإمارات العربية المتحدة, مج (3), ع (3), ص ص 121- 138
الأمم المتحدة (2013). سبل المضي قدماً: وضع خطة تنمية شاملة لمسائل الإعاقة حتى 2015 وما بعده. الدورة الثامنة و الستون, نيويورك: مركز وثائق الأمم المتحدة.
سكران, محمد محمد (2012). نحو ثقافة مستنيرة للتعامل مع ذوي الإعاقة. مجلة رابطة التربية الحديثة, مصر, مج (5), ع (16), ص ص 13-28
عبد السلام, زروال (2015). حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في إطار اتفاقية الأمم المتحدة. مجلة جيل حقوق الإنسان, مركز جيل البحث العلمي, الجزائر, ع (6,7), ص ص 155-170
منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف (2013). وضع الأطفال في العالم 2013 الأطفال ذوو الإعاقات. يونيسيف.
منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي (2011). التقرير العالمي حول الإعاقة. منظمة الصحة العالمية, مالطة.

قضية حقوق الإنسان (رؤية تربوية) بواسطة: بلسم المغذوي

إعداد: بلسم المغذوي

تعد قضية حقوق الإنسان واحدة من أبرز قضايا التربية الدولية, وتمثل نداءً تكرراً للمنظمات والهيئات الدولية والمحلية في اتجاه تأصيل ثقافتها, وتعزيز قيمها بين أفراد المجتمع.

ومن الناحية التربوية, تتسق ثقافة حقوق الإنسان مع المرتكزات الأساسية المستمدة من الاسلام التي تقوم عليها التربية وتعبر حقوق الانسان عن جملة من الحقوق في كل مجالات الحياة، مثل الحق في الغذاء والصحة والعمل والمناشط الاجتماعية والسياسية وحرية التفكير والمعتقد والرأي والحق في التعليم .

وعلى الرغم من إقرار كثير من الدول بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلا أن الانسان حول العالم لايزال يناضل من أجل حقوقه وحرياته الاساسية

ويلقي الكثير المسئولية في ذلك على عاتق المفكرين, والمربين, والمؤسسات التربوية والتعليمية، إذ أنها تفوق مسؤولية الحكام وأنظمة الحكم, ولكن الجميع في النهاية مشترك وبدرجات متفاوتة  في ضياع حقوق الانسان العربي وحرمانه إن لم يكن في صنعها فعلى الأقل في تبريرها أو السكوت عنها, ولاشك بأن الأسرة تعد المؤسسة التربوية الأولى المسؤولة عن التربية على حقوق الانسان, ففيها ينشأ الطفل ويترعرع ويتشرب ثقافته وقيمه الأولى (البلعاوي,2001).

وإذا كانت التربية الصحيحة لحقوق الإنسان تمتاز بأنها تربية شاملة, فإنه يجدر بها أن لاتقف عند مستوى التعليم المبرمج داخل الفصل الدراسي, وإنما يتطلب الأمر التأسيس للمستوى التربوي منذ مراحل التربية الأولى داخل الأسرة والعائلة.

ولابد من تعزيز التربية على حقوق الإنسان ليس فقط في المدارس ولكن أيضاً وراء جدران الفصل سواءً أكان ذلك في الفضاء المدرسي, أو الفضاء العام, فالمدرسة ليست وحدها معنية بهذا الشأن, وإنما هناك أيضاً ما يسمى بالمدرسة الموازية أي وسائل الإعلام والاتصال الحديثة التي تلعب دوراً هاماً فيما بعد (الانتصار,2000).

ويأتي بعد الاسرة دور المؤسسات التعليمية, وهي جزء من النظام الاجتماعي الأكبر, ولذلك فهي تعكس بصورة أو بأخرى أنماط العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع, ومن هنا يتضح أن التعليم في بنيته وفي توجهه هو تعليم طبقي وقائم على الطبقية, وذلك في ظل وجود مدارس متميزة, ومدارس خاصة استثمارية, ومدارس للفقراء, ومدارس للريف, ومدارس للحضر, ومدارس للغات الأجنبية, ومدارس أجنبية.

ولذلك فإن الفرصة التعليمية فرصة غير متكافئة, وارتبطت بالمقدرة الاقتصادية في السنوات الأخرى, حيث يصبح من يملك المال يستطيع أن يحصل على خدمة تعليمية في ضوء ما يقدم بشكل أفضل وأيسر من غيره غير القادر على دفع هذه التكلفة.

ويلعب المنهج الخفي داخل أسوار المدرسة, وما تقدمه القيادة أو الإدارة أو المعلمين خارج المناهج الرسمية واللوائح والقوانين دوراً كبيراً إما في تعزيز حقوق الإنسان أو تهميشها, إلا أن الغالب على المشهد الواقعي اليوم هو أن المدرسة تنحصر مهمتها في إكساب الطلاب مجموعة من المعارف, والعلوم التي تحدد مستواهم بالمراحل المختلفة, وتغفل تعزيز قيم حقوق الإنسان, حيث تمثل قضية مسكوت عنها, أو مهمشة, أو ليست ذات الأولوية مقارنة بالحصول على الشهادات والدرجات المرتفعة (بدران,2011).

وتستنتج الكاتبة من وجهة نظرها, أن ترديد شعارات حقوق الإنسان نظرياً وبصيغ تقليدية لن يكون لها جدوى في تقدم المجتمع أو تحقيق التنمية مالم يبدأ ذلك عملياً في الأسرة وتتضافر معها جميع مؤسسات وانظمة المجتمع كتنمية شاملة, وذلك مروراً بالمدرسة والجامعة ووسائل العلام وغيرها.

المراجع:

الانتصار, عبد المجيد (2000). التربية على حقوق الإنسان. مجلة فكر ونقد: المغرب, ‘(30), ص ص 63-74

بدران, شبل ( 2011). المواطنة وحقوق الإنسان. مجلة رابطة التربية الحديثة. مج(4), ع(11), ص ص 13-31

البلعاوي, سيف الدين محمد (2001). التربية على حقوق الأنسان واقع وآفاق. مجلة جامعة الأقصى سلسلة العلوم الإنسانية, جامعة الأقصى بغزة: فلسطين, مج(5), ع(1), ص ص 144-194

الديمقراطية في المجتمعات الغربية، وأثرها على المجتمعات العربية


الديمقراطية في المجتمعات الغربية، وأثرها على المجتمعات العربية
إعداد : سارة المحيسن

إن أحد القضايا الدولية الهامة في المجتمعات الغربية والعربية هي قضية الديمقراطية وأبعدها على مختلف المجتمعات، يقول الحمد (١٩٩٩): (لا نستطيع اليوم إلا أن نقر بعالمية الديمقراطية والإيمان الإنساني المشترك بقيمها العالمية، مثل المساواة والحرية الفردية وتكافؤ الفرص، وغير ذلك من قيم تتضمنها الديمقراطية٠، رغم أنها غربية صرفة، فقد أصبحت الديمقراطية اليوم جزءاً من الثقافة العالمية المشتركة التي يزداد الإيمان بقيمها يوماً بعد يوم، وهذا مؤشر كبير على مدى (العالمية) التي اكتسبها مفهوم الديمقراطية والمُثُل الديمقراطية.
فلقد تأثرت النظم والشعوب العربية بعد شيوع الديمقراطية في العالم الغربي، رغم أنها لازالت الدكتاتورية هي الطابع الأغلب في البلدان العربية ، إلا أنها قللت من حدتها، فلقد أصبح مؤخراً للمواطن في بعض دول العالم العربي صوت مسموع، أو بالأصح لم يصبح بذلك الخوف عند إبداء وجهة نظره في بعض الأمور السياسية، وغيرها من الأمور على جميع الأصعدة، فمثلاً الطالب في المدرسة أصبح يناقش أستاذهُ وربما يخالفهُ في الرأي، على عكس السابق وما كانت عليه الأجيال الماضية، حيث أن السمع والطاعة هي الديدن في جميع مؤسسات التربية، بدء من المدرسة والبيت وانتاءً بالمجتمع، ولقد أصبح الفرد اليوم أكثر وعياً وأكثر إبصاراً بحق الفرد في حريته وفي إبداء وجهة نظره.
إن العالم العربي لازال يتعرض للعديد من المعوقات التي تعيق الديمقراطية والحرية الشخصية، وقد طرحت مجموعة من أهم معوقات الديمقراطية في العالم العربي وهي :
1.الفرد –المجتمع: أي المعوقات الذاتية عند المواطن العربي والمعوقات الاجتماعية الموضوعية المرتبطة بتركيبة هذا المجتمع ومستوى تطوره؛ أي العادات والتقاليد ونسبة الأمية ودخل الفرد والى آخره من المتغيرات النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
2.الدولة: أي المعوقات المؤسسية في الدولة. هل يوجد في هذه الدولة مؤسسات قائمة وتعمل كمؤسسة؟ وما هو وضع المؤسسات المدنية والأحزاب في هذه الدولة؟.
3.النظام الإقليمي: وتعني التحديات الخارجية الذي يفرضه النظام الإقليمي على بناء الديمقراطية في الدولة، وفي حالتنا هذه الصراع العربي الإسرائيلي وما يفرضه من تحديات على الواقع العربي.
4.النظام الدولي: أي مصالح الدول الكبرى التي قد تنسجم أحيانا وتتضارب أحيانا أخرى مع مصالح هذه الدول والجماهير وتأثيرها على بناء النظام الديمقراطي.
الفرد – المجتمع:
المقصود هنا مستوى تطور الأفراد في المجتمع وقابليتهم للقبول بالرأي والرأي الآخر ومدى قدرتهم على قبول الحسم بالطرق الديمقراطية وليس بوسائل قمعية. وواضح أن هذا متعلق بمتغيرات كثيرة مثل: المستوى التعليمي، الاقتصادي، والعادات والتقاليد الخ.. ويبدأ من مؤسسة الأسرة أي التعامل مع الزوجة والأولاد وصولا إلى أكبر المؤسسات كالبرلمان مثلا. وبالمقابل هل نحن كأفراد مستعدون أن نمنح ولاءنا بالدرجة الأولى للدولة ومؤسساتها أم لا؟ ولتجسيد الفكرة نقترح أن يسأل كل فرد منا نفسه سؤالا ويحاول أن يجيب عليه بصراحة ولو بينه وبين نفسه ليكتشف بنفسه مدى قابليته ليكون جزءا من مجتمع مدني قادر على التطور: لمن ولاؤه الأول والذي هو مستعد أن يضحي بحياته من أجله؟ هل هو للعائلة أم للقبيلة أم للمذهب أم للدين أم للدولة الوطنية؟ فبناء دولة ديمقراطية يفرض على الفرد أن يقدم ولاءه للدولة على كل ولاء آخر، ولكن هذا لا يعني إلغاء ولاءاته الأخرى وإنما إذا ما تناقض أي ولاء مع الولاء للدولة فعلية تفضيل الدولة.
 
وهنا يجب أن نتعلم كيف نخرج من القوقعة الطائفية والقبلية والدينية إلى ساحة الدولة الأوسع، فلا يمكن أن نلغي أو نوحد الطوائف والأديان، ولكن يجب أن نبتكر آلية تعامل، أي أن نترجم العلمانية ليس فقط على مستوى الدولة وإنما على مستوى الأفراد سلوكا على أرض الواقع، فإذا تناقضت المصلحة الطائفية مع مصلحة الدولة القومية فيجب أن يكون الفرد على مستوى من الوعي يجعله قادرا على أن يفصل ويعطي الأولوية لولائه لدولته ولدستوره الذي يحفظ له حريته ومشاركته وبالنتيجة يحفظ له الحق في الولاء الطائفي ولكن ضمن معادلة ديمقراطية صحيحة.
 
فالديمقراطية إذن هي كالنسيج المرن الحي الذي يلقى على الواقع الاجتماعي فيأخذ هذا النسيج شكل هذا الواقع، وتحدث علاقة جدلية بينهما أي بين الآلية الديمقراطية وبين هذا الواقع الاجتماعي تؤدي إلى ممارسة ثم تذويت ثم نقد وتعلم ثم تراكم خبرات ثم تعديل وتطوير حيث تتراكم التعديلات كميا مما يؤدي مع الزمن إلى تغيير نوعي في السلوك، الأمر الذي سيترك أثره على البنية الاجتماعية فيتعدل شكلها وهكذا يتعدل شكل النسيج الديمقراطي ويسير نحو الأمام أي يتطور. فإذا عدنا إلى المثال الحي في لبنان نرى أن النسيج الديمقراطي اللبناني يأخذ شكل الواقع الاجتماعي الطائفي، وأن ولاء اللبنانيين أولا إلى طوائفهم ثم إلى لبنان. فكل يتمترس في مكانه ويطالب في حصته في هذه الدولة لأن هيكل وماهية نظام الدولة ليس ديمقراطيا، وإنما هو قائم على المحاصصة الطائفية فهو يعرقل ويمنع التطور باتجاه مجتمع مدني يكون فيه ولاء اللبنانيين إلى مؤسسات الدولة وليس الطائفة. كذلك في العراق فنظامها الديمقراطي قائم على تكريس الواقع من خلال المحاصصة (الرئاسة الشكلية للأكراد، رئاسة الوزراء للشيعة، رئاسة البرلمان للسنة) فالانتخابات التي تجري هناك تقوم عل أساس طائفي وقبلي لأن النسيج الديمقراطي يأخذ شكل الواقع الاجتماعي.
 
إذن الواقع الاجتماعي في الدول العربية يشكل أحد أهم المعوقات أمام الديمقراطية. فدولة فيها تعدد ديني وطائفي وقبلي كاليمن مثلا يصبح فيها بناء الديمقراطية تحديا كبيرا للثورة في هذه البلد خصوصا في ظل التخلف والأمية.

المراجع :

الحمد، تركي (١٩٩٩). الثقافة العربية في عصر العولمة، (ط٤). دار مدارك للنشر، دبي.

ظاهرة الشذوذ الجنسي في المجتمعات الغربية وأثرها المتوقع على المجتمعات العربية



ظاهرة الشذوذ الجنسي في المجتمعات الغربية وأثرها المتوقع على المجتمعات العربية.
                                                                               إعداد: سارة المحيسن


إننا حين نناقش ظاهرةً دولية ذاع صيتها في المجتمعات الغربية فهذا يعني أننا معنيين بها، حيث أن مجتمعنا العربي مع الإنفتاح الثقافي ومع تطور وسائل التواصل بين المجتمعات سيصبح جزء من ذلك المجتمع بشكل ما، بالتالي لم تصبح قضايا الغرب تخصهم فقط، بل أصبحنا جزءً منها وأصبح شبابنا وأجيالنا معرضون لمثل تلك القضايا.
إن قضية السماح بزواج الشاذين جنسياً القضية التي أُثيرت مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية بعد قرار السماح الذي أُصدر قبل أربعة أشهر لابد أن له أبعاداً اجتماعية وثقافية على عالمنا العربي، أي أن القضية أصبحت أكثر جرأةً بعد أن تم السماح بذلك رسمياً ، ولا يستعبد أن أعداد الشاذين جنسياً تزداد يوماً بعد يوم بعد هذا القرار الجريء والمدمر لفئة الشباب خصوصاً، فكونه طرح في المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية ويقر بالموافقة عليه يعني ذلك أنه لا حرج من أن يفصح الشاذون جنسياً عن ميولهم الشاذة.
وإن دور التربويين في العالم العربي تجاه مثل هذه القضايا هو دور كبير حيث أن العائق الأكبر يوضع على أكتافهم في حوار المجتمع في مثل هذه القضايا وسبل علاج المجتمعات وتثقيفهم بها قبل أن تتفشى ويصعب علاجها، ودور التربويين يكون في طرق ووسائل مختلفة ، من خلال الإرشادات في المدارس للطلاب والإجتماع أيضاً بأولياء الأمور وإلفات نظرهم لمثل هذه القضايا الخطيرة في المجتمع، وعن طريق وضع حلول وسبل لعلاج لتلك الفئة، وعن طريق إنشاء مراكز للعلاج وعيادات تستقبل مثل هذه الفئة، أيضاً في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يجب أن يشعر وأ يعرف الشاذ جنسياً بخطورة هذا الأمر وحرمته شعراً، وأن يدرك الذنب العظيم الذي يكتسبه من يمارس مثل هذه العادات والآثار المترتبة على مثل هذه السلوكيات.
ولا نهمل أثر جماعة الرفاق التي يتخذها الإبن أو الإبنة أصدقاءً لهم، حيث أن للرفقة تأثير كبير على السلوكيات والممارسات التربوية،فمن واجب أولياء الأمور أن يحرصوا على جماعة الرفاق وأن يرشد التربويون الأباء إلى أهمية الرفيق في حياة ابنه ، فالطفل أحياناً بحكم عمل الأم والأب ربما يقضي ساعات طويلة بمفرده مع العمالة المنزلية وهذا خطأ كبير، إن الصحف والجرائد تطرح مئات المشاكل كل يوم من آثار مثل هذه التصرفات من قِبل الأباء، فالواجب هنا هو توعية الأسر عن طريق مجالس الأباء في المدارس، وعن طريق الندوات، وعن طريق الإعلام ، أيضاً مقاطع الفيديو التوعية للأطفال بحيث يطرح الموضوع بشكل يتناسب مع عمر الطفل وإدراكه.

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

المناهج ذات الطابع الدولي إعداد: سارة الايداء

المناهج ذات الطابع الدولي  

The Curricula Related with the International Dimension 


من البديهي لدى التربويين أن المناهج والمقررات الدراسية في كل نظام تعليمي تبنى على أسس فلسفية وتربوية تخدم أهدافاً وطنية. وقد يختلف وضوح تلك الأهداف ومباشرتها من منهج إلى أخر. ولكن لابد أن يكون لكل منهج أهدافاً يسعى لتحقيقها, وأن تعددت الطرق والاساليب لذلك. (خليل, 2013)
أن طريقة تقديم الحقائق وتفسيرها عامل مؤثر في إعطاء الحكم عليها واتخاذ المواقف تجاهها. لذا سعت كل ثقافة وكل نظام سياسي إلى تقديم تلك الحقائق من خلال المناهج والمقررات. فقد كان من أهم أهداف التربية على مر العصور بما في ذلك العصر الحديث هو جعل التلاميذ يرون الاحداث التاريخية بما يخدم الايدولوجية التي يقوم عليها النظام التربوي ويسعى لتثبيتها. وقد أدركت منظمة اليونسكو أهمية تغير المناهج والمقررات الدراسية خاصة في الدول التي تعاني من الصراعات. ولعل السبب في تزايد المشكلات التي يعاني منها العالم اليوم يعد إلى عدم إدراك الافراد والمجتمعات لمعني ومفهوم التعاون بين الامم والشعوب. إذ أن هذا المفهوم يجب أن ينمو مع الفرد منذ طفولته المبكرة. وهذا يعني تحميل التربية المسؤولية في هذا المجال. (البوهي, 2014)
ولهذا نجد أن للتربية الدولية أهمية في نمو الافراد العالمين وقد أكدت دراسة جونس johns (1991) على أن إضفاء البعد الدولي على كل مناهج التعليم, ولابد من دمج مناهج التربية الدولية داخل المناهج التربوية لتحقيق أهداف التعليم العام.
وقد أشارت دراسة رجاء عيد (1992) إلى مدى أهمية إدماج مناهج التربية الدولية في جميع مراحل التعليم من مرحلة رياض الاطفال حتى المرحلة الثانوية من خلال تخصيص وحدات صغيرة للتربية الدولية أو تخصيص مقررات دراسية كاملة على مستوى المرحلة الثانوية إلى جانب تأكيد هذه المناهج على تدعيم السلام العالمي وتوضيح الفرق بينه وبين الحرب.

ماهية المناهج ذات الطابع الدولي:
 هي التي تسعى إلى تضمين المقررات الدراسية دروساً عن السلام وحقوق الانسان والديمقراطية وتوفير تعليماً حقيقاً لروح المواطنة ينطوي على بعد دولي ينمي قدرات التعليم للعيش معاً في عالم واحد, كذلك تسعى الى التطرق لمناقشة مشكلات الشباب كتعاطي المخدرات وانتشار مرض الإيدز وتقديم التوعية اللازمة عن طريق التعليم المدرسي, وكذلك في جميع المراحل التعليمية النظامية والغير نظامية. أن المناهج ذات الطابع الدولي ليست مجالاً جديداً للمعرفة حيث يمكن تحقيق هذه الاهداف دون الحاجه إلى وجود مادة منفصلة لهذا الهدف. وذلك عن طريق إثراء وتحديث المناهج المشتركة الحالية مثل اللغات الاجنبية والعلوم والتاريخ والجغرافيا التربية الوطنية, لكي تراعي الطابع العالمي مع الأخذ بالاعتبار ضرورة التفاهم بين الثقافات وتسخير العلم لأغراض التنمية البشرية المستدامة. (أحمد, 2012)
لذا يجب أن تراعي عدة مبادئ عند تناول التربية الدولية داخل المناهج الدراسية والتي من أهمها: (البوهي, 2014)
1.    إضفاء بعد دولي عالمي علي التربية لجميع مراحلها وكافة أشكالها والسعي  إلى فهم واحترام الشعوب وثقافاتهم وحضارتهم وقيمهم وأساليب حياتهم.
2.    الوعي بتزايد التكامل والتبادل بين الشعوب والأمم على الصعيد العالمي وتنمية القدرة على الاتصال بالأخرين والحوار.
3.    تنمية استعداد الفرد للإسهام والمشاركة الفاعلة في حل المشكلات الإقليمية والعالمية.
4.    تدعيم جهود الأمم المتحدة في تنمية أنشطتها الهادفة إلى الحفاظ على السلام.
5.    تعميق الايمان بحقوق الانسان والسلام وتشجيع التفاهم والتسامح الصداقة بين جميع الأمم والجماعات العرقية الدينية.

أهداف المناهج ذات الطابع الدولي:
§       تسعى صيغة المناهج ذات الطابع الدولي لتحقيق مجموعة من الأهداف والتي من أهمها:(خليل, 2013)
§       إتاحة الفرصة للشباب لاكتساب المعرفة حول القضايا العالمية الكبرى, وتطوير المواقف والقيم تجاهها, وتبني أنشطة تعزز الوعي بأهمية إيجاد حلول للمشكلات العالمية.
§       تعزيز بناء قيم وقدرات إيجابية لدى الشباب مثل التضامن و التعاون والحار والتسامح والقدرات الابداعية والشعور بالمسئولية.
§       إزالة كل أشكال التعصب والتميز  بجميع أنواعه والعنصرية والعنف, والتأكيد على كيفية التعليم للعيش معاً في عالم واحد.
§       إعطاء اهتمام خاص بحقوق الأقليات والمهاجرين وأي فئة اجتماعية أو ثقافية مهمشة.
§       احترام معرفة ثقافة الاخر على المستويين الدولي والوطني في ضوء مدخل التعليم متعدد الثقافات.
§       غرس مهارات التفاعل مع الغير والحوار والمناظرة.
§       الاهتمام بدور الامم المتحدة و وكالاتها المتخصصة في حل النزاعات الدولية ونشر السلام العالمي.
§       تناول قضايا البيئة بما تتضمن معالجة أسباب وآثار النظام البيئي على المستويات المحلية والوطنية والعالمية, باعتبارها قضايا مهمة.
§       تنمية إحساس الطلاب بقيمة الحرية وتقديرها, والقدرة على الاتخاذ القرار المبني على الاطلاع والتفكير التأملي والناقد.

المراجع والمصادر:
§        أحمد, أحمد إبراهيم (2012). التربية الدولية, دار الفكر العربي, القاهرة
§        البوهي, فاروق شوقي (2014). التربية الدولية, دار المعرفة الجامعية, القاهرة.
§        خليل, نبيل سعد (2013). التربية الدولية أصلها وتطبيقاتها. دار الفجر للنشر والتوزيع, القاهرة.
§        عيد, رجاء (1992). التربية من أجل التفاهم الدولي, مجلة دراسات المناهج وطرق التدريس, ع4, ص ص  86-92, القاهرة.

Brabanakay, Johns (1991). The quest for Glabal Education, Dissertation Abstracts International, vol51, no11 p36. 

بين العولمة والعالمية إعداد : نوف الفوزان



بين العولمة والعالمية

إعداد : نوف الفوزان

تلتقي لفظتا "العولمة" و"العالمية" في جذر لغوي واحد ومردهما إلى لفظة العالم ومن هنا جاز أن تكون دلالتهما اللغوية واحدة ؛ لكن الفرق واسع بين دلالتيهما في المصطلح.(الأسد،1999)
فعندما نذكر مصطلح العولمة (Globalization) فإن الذهن يتجه فوراً إلى الكونية أي إلى الكون أو العالم الذي نعيش فيه ومن هنا ندرك أن المصطلح يعبر عن حلة من تجاوز الحدود السياسية الراهنة للدول إلى آفاق أكثر اتساعاً تشمل العالم بأسره وهذا يعني تنازل الدول الوطنية أو حملها عن التنازل عن حقوق لها لصالح العالم، أو بعبارة أخرى أدق لصالح المتحكمين في هذا العالم. (الهواري، 1425هـ)
ويجمع كل من درس العولمة ونشأتها أنها كانت في البدء في مجال الاقتصاد إذ أن الخطاب الأمريكي تضمن أن النموذج الاقتصادي الأمريكي أو الصيغة الأمريكية هي وحدها القادرة على تحيق التنمية الاقتصادية للعالم، وهذا ما يسمى بالعولمة الاقتصادية.
أما العولمة الثقافية فهي امتداد للعولمة الاقتصادية ولا تختلف عنها إلا في طبيعة ميادينها، فبدلاً من الميدان الاقتصادي نجدها تشمل الميادين الفكرية واللغوية والفنية وهي تتفق مع العولمة الاقتصادية في التفرد والسيطرة فهي تعني تعميم ثقافة واحدة وسيادتها وهيمنتها على غيرها من الثقافات ،  ومن وسائل العولمة الثقافية إشاعة مصطلحات جديدة ذات مفاهيم أو مضامين تحل محل المفاهيم والمضامين الأصيلة الي تتصل بحياة الأمة وشخصيتها وحقيقة وجودها.
وقد تبدو بعض هذه المصطلحات في أول الأمر بريئة لايقصد منها إلا تقرير واقع أو وصف حالة أو ذكر أمور علمية ، مثال ذلك مصطلح "الشرق الأوسط" وهو مصطلح يضم بعض البلاد العربية وبعض البلاد الإسلامية وإسرائيل، وبذلك أصبح يطلق على منطقة لاكيان لها في الحقيقة، وكان أصلاً مصطلحاً حربياً استعمله الحلفاء في الحرب العالمية. وقد صار من الشائع أن تسمى قضية فلسطين بقضية الشرق الأوسط، فضاع اسم فلسطين، وأصبحت القضية ليست فلسطينية ولاعربية ولا إسلامية، وإنما هي فقط قضية الشرق الأوسط كما كان المقصود من مصطلح "الشرق الأوسط" أن يحل محل "الوطن العربي" أو "البلاد العربية" ، وكذلك كان المقصود منه تجزئ هذا الوطن بعد خلع صفة العروبة منه، وإضافة أقطار أخرى غير عربية. ويظل الهدف الأساسي اقحام إسرائيل في المنطقة لتصبح جزءاً عضوياًمقبولاً فيها. (الأسد،1999)
ومن وسائل العولمة الثافية أيضاً : الأدب الغربي الذي أخذ يتسلل إلى مجتمعاتنا باسم الحداثة وشبكة المعلومات الدولية والفضائيات التي أصبح انتشارها في العالم ممكناً بعد أن غزا الغرب الفضاء وثبت فيه عدداً كبيراً من الأقمار الصناعية. (المرزوقي ،1425هـ)
فالعولمة هي ذلك النظام الجديد أحادي القطب يدور في فلكه كافة الدول في العالم ، ويسيطر اقتصادياً، وثقافياً، واجتماعياً، وعسكرياً، وتكنولوجياً، وتلعب فيه الولايات المتحدة الأمريكية دوراً فاعلاً ومحركاً أساسياً. (الهواري،1425هـ)
أما العالمية (Universality) فهي كما عرفتها الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة الصادرة عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي: "مذهب يدعو إلى البحث عن الحقيقة الواحدة التي تكمن وراء المظاهر المتعددة في الخلافات المذهبية المتباينة، ويزعم أصحاب هذه الدعوة أن ذلك هو السبيل إلى جمع الناس على مذهب واحد تزول معه خلافاتهم الدينية والعنصرية لإحلال السلام في العالم محل الخلاف وبناء عليه يتبين أن العالمية تمثل مجالاً واسعاً من مجالات العولمة وهو المجال الثقافي وأن العلاقة بينهما جزء بكل. (المرزوقي . 2010)
 مع الأخذ بالاعتبار وان العولمة (globalization) تعني السيطرة والهيمنة على العالم وهي نفي للآخر وقمع وإقصاء للخصوصية وإذابة لكل خصائص المجتمعات، إلى درجة لا يكون فيها لأي مجتمع ثقافة ذاتية أو هوية شخصية أو قومية.
أما العالمية (Universality) فهي تفتح على ما هو عالمي وكوني أو الانفتاح على العالم شرقاً وغرباً والاحتكاك بالثقافات الأخرى أخذاً وعطاء وهي الاحتفاظ بالخلاف الأيديولوجي وهي عملية تفاعل تبادلي بين الجزء والكل تحكمها قيم إنسانية وتتم ووفق سنن تفاعل الحضارات فهي تعارف وتعاون وعمران.
لقد عرف العالم الاتجاه إلى العالمية في مراحل مبكرة فكانت العالمية من أبرز سمات الحضارة الإسلامية إبان ازدهارها، ثم حدث في مطلع القرن السابع عشر الميلادي أن وقع تحول في شمال غرب أوروبا في نظام التجارة العالمية برز فيه عنصر "الفرض" وهي تلك هي جذور العولمة ، وقد حدث ذلك عندما حاول الباحثون أو بعض الباحثين أن يؤرخ للعولمة  ويبحث في أصولها ويتتبع تطورها عبر مراحلها المختلفة وتجدر الإشارة إلى أن المراحل الأولى لهذه الظاهرة قد غلبت عليها صفة العالمية في حين أن مراحلها الأخيرة قد برزت فيها سمات العولمة.
فحضارات الصين والهند ومصر القديمة والحضارة الإسلامية وحضارة اليونان والرومان لم تشهد زمن العولمة وبمفهومها الذي نعرفه اليوم وإنما نستطيع أن نضع كل فترة عاشتها هذه الحضارات ضمن مرحلة من مراحل العالمية . (الهواري، 1425هـ)
ومن خلال هذا الاستعراض السريع لأبرز سمات وملامح العالمية والعولمة ونشأتها وتطورهما لعلي أخرج منها ببعض الفوارق التي تفصل بينهما من خلال الجدول التالي:
العولمة
العالمية
1-   مسح للثقافات واختراق الهوية وتمييع لها وإحلال الاختراق الثقافي في محل الصراع الأيدولوجي.
تفتح على العالم وعلى الثقافات الأخرى وإغناء للهوية الثقافية واحتفاظ بالخلاف الأيدولوجي. (المرزوقي،2010)
2-   إرادة للهيمنة فهي قمع وإقصاء للخصوصية واحتواء العالم.
-         طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي وانفتاح على ما هو عالمي وكوني.(غبان، 2000)
3-   إرادة لاختراق الآخرين وسلبهم خصوصيتهم من خلال إيجاد نشاط اقتصادي وثقافي معولم يقوم بتقليص وتهميش دور الدول القطرية ومؤسساتها الوطنية، والسعي لجعل العالم قرية كونية وسوق عالمي واحد.
-         تشير إلى التعاون والرغبة في الأخذ والعطاء، وفي التعارف والحوار التلاقح وتوثيق العلاقات بين الدول مع الحفاظ على سيادة كل دولة وخصوصيتها. (غبان ،2000)
4-   من حيث كيفية وطريقة الانتشار: انتشارها قسري؛ أو طبيعي/قسري
-         انتشارها طبيعي. (غبان ،2000)
5-   يجبر فيا القوي الضعيف ويرغمه على ما لا يؤيد.
-         عالمية الإسلام لا إكراه فيها ويقصد بها الانفتاح على العالم ومحاورته ومجادلته بالتالي هي أحسن ودعوته إلى هذا الدين ومبادلة المصالح الدنيوية معاً. (المرزوقي،2010)

المراجع:
-         الأسد، ناصر(1999). الثقافة العربية بين العولمة والعالمية، مجلةالأكاديمية- المغرب،ع16،ص: 149-171.
-         غبان ، محروس أحمد(200). عولمة الاقتصاد والتعليم العالي في المملكة العربية السعودية: الآثار والمضامين. مركز البحوث التربوية والنفسية ، جامعو أم القرى، مكة.
-         المرزوقي، ناصح(2010). أنواع العولمة والفرق بينها وبين العالمية،16-أبريل-2010.
-         الهواري، محمد(1425). العولمة الثقافية وأثرها على الهوية العربية الإسلامية: كلية الآداب – جامعة الملك سعود، الرياض.