الأربعاء، 25 نوفمبر 2015

أهمية تعزيز قيم التنوع الثقافي بواسطة: بلسم المغذوي


التربية على قيم التنوع الثقافي

إعداد: بلسم المغذوي

يعد التنوع الثقافي بشتى صوره من أكثر القضايا التي برزت مع تسارع وتيرة الانفتاح الثقافي في المجتمع , الأمر الذي يؤكد أهمية التربية على القيم الايجابية التي تعتبر صمام الأمان في التعامل مع هذه القضية, فالحوار وتقبل الآخر والتسامح والسلام قيم لها دور كبير في إحتواء التنوعات الثقافية في المجتمع وتوجيهها نحو إثراء ثقافة المجتمع وتعزيز وحدته الوطنية, والتعامل مع هذا التنوع كمصدر ثراء ثقافي لا كمصدر اختلاف وفرقة .

ونظراً لتأثير التنوع الثقافي في التغيرات الثقافية والإجتماعية وتوجيه مسارها نحو تقدم المجتمعات, فإن كثيراً من المنظمات الدولية والمراكز الثقافية أولت اهتماماً  كبيراً به, وألقت على عاتق المؤسسات التربوية بمسؤولية تأسيس قاعدة حوار مشتركة بين الأطياف المختلفة.

فقد اهتمت المنظمات الدولية بحماية التنوع الثقافي وعقدت في سبيل ذلك الاتفاقيات الدولية لتشجيع الحوار والتواصل بين الثقافات المختلفة, لعل أبرزها اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي, الصادرة عن المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة و المنعقد في باريس من 3 إلى 21 تشرين الأول / أكتوبر 2005 م في دورته الثالثة والثلاثين, والتي أكدت على أن التنوع الثقافي هو سمة مميزة للبشرية يشكل تراثاً مشتركاً للبشرية ينبغي إعزازه المحافظة عليه لفائدة الجميع, حيث يقصد بالتنوع الثقافي " تعدد الأشكال التي تعبر بها الجماعات والمجتمعات عن ثقافتها وأشكال التعبير هذه يتم تناقلها داخل الجماعات والمجتمعات وفيما بينها " . وقد هدفت هذه الاتفاقية إلى تهيئة الظروف التي تكفل ازدهار الثقافات وتفاعلها تفاعلا حراً تثري من خلالها بعضها بعضاً, كما هدفت أيضاً إلى تشجيع الحوار بين الثقافات لضمان قيام مبادلات ثقافية أوسع نطاقاً وأكثر توازناً في العالم دعماً للاحترام بين الثقافات وإشاعة لثقافة السلام ( اليونسكو, 2005 ) .

وما يؤكد الاتجاه العالمي المتزايد نحو الاهتمام بقيم التنوع الثقافي أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد قررت أن يوم 21 أيار / مايو اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية, ودعت جميع الدول الأعضاء والهيئات الحكومية الدولية والمنظمات غير الدولية إلى التعاون في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة ( الأمم المتحدة, 2002 ) .

وقد بات المجتمع الدولي مقتنعاً أكثر من أي وقت مضى بضرورة حماية التنوع الثقافي , وانصب اهتمامه على المبادئ القانونية والمعاهدات التي تحمي التنوع الثقافي وتنشر ثقافة السلام والتسامح والتقبل بين الشعوب, وقد كرس الاعلان العالمي للتنوع الثقافي الذي اعتمدته اليونسكو عام 2001 المبادئ التالية:

- التنوع الثقافي تراث البشرية المشترك وبالتالي يجب الحفظ عليه.

- سلامة المجتمعات البشرية, بالاضافة إلى حيويتها وانسجامها الداخلي والمرتبطة بصيانة التنوع الثقافي فيما بينها.

- التنوع الثقافي من ركائز التنمية المستدامة.

وفيما يتعلق بالعالم العربي الإسلامي يجدر تضمين قيم التنوع الثقافي في التربية, فنحن بأمس الحاجة إلى إعادة إحياء الثقافة التي كانت في الماضي بأبهى حلة في العالم, والتي أصابتها اليوم رتابة تجعلها تتخبط بأزمة لا تخفى على أحد رغم وجود الموارد البشرية التي تتوق إلى الابداع والتميز. (الظاهر,2005)

وفي هذا الشأن, يؤكد الكثير من التربويين والمفكرين على أهمية الحوار والاتصال في التعامل مع التنوع الثقافي, حيث يرى حسن عبد العال في المؤتمر السنوي الثامن ( التربية والتعددية الثقافية مع مطلع الألفية الثالثة ) المنعقد عام 2000 م, أن التعددية الثقافية موجودة الآن ومن الخطأ إنكارها, وأن كل ثقافة لها روح وطبيعة , وينبغي أن يكون موقفنا منها موقف حوار وتفاعل وليس موقف تصادم, لأن درس التاريخ يقول : إن الحضارة أو الثقافة لا يمكن أن تنعزل عن غيرها من الثقافات, فلابد أن تتصل الثقافات ببعضها البعض, ليكون بينها حوارات متداولة وحوارات دائمة,  أما عن دور التربية في ذلك فيتعلق بشكل رئيسي بإعداد الأجيال القادمة إما لمواجهة الثقافات الأخرى أو للحوار معها أو للتواصل معها ( عبود, 2002 ) .

وكمجتمع عربي مسلم, لا تعد التربية على قيم التنوع الثقافي مثل تقبل الآخر والتسامح غريبة على الثقافة والتربية الإسلامية , حيث يوجد في الحضارة الإسلامية ضرب من الأدب يعرف بأدب الاختلاف الذي هو خلق إسلامي ومظهر ايجابي من مظاهر الحضارة الإسلامية, إذ يؤكد على قيم الحوار وأدب الخلاف في الإسلام, لما في ذلك من إنصاف للخصم واحترام الرأي الآخر وتفصيل لأسس التنوع الثقافي التي كفلت حرية المعتقد والتدين, والقيم التي ترسخ التنوع الثقافي والتعاون والتعايش بين الشعوب هي قيم تقوم على ثلاثة قواعد:

1-قاعدة الاحترام المتبادل

2-قاعدة احترام الخصوصيات

3-قاعدة التسامح

ولقد تميزت الحضارة والثقافة الإسلاميتان بتركيزهما على اعتبار أن طلب العلم فريضة على كل مسلم, وأن الحكمة ضالة المؤمن, مما أسهم في إغناء التنوع الثقافي والانفتاح على الثقافات الأخرى وحفظ حقوق الآخرين

وعلى جانب آخر, يظهر اليوم بشكل خاص تأثير العولمة على زيادة وتيرة الانفتاح الثقافي, ولا شك أن العولمة تثير مخاوف عديدة في جميع الأوساط, غير أن العولمة ليست معطى جديد في تاريخ العلاقات بين الأمم وهي في الحقيقة تشكل مدخلاً من مداخل التنوع الثقافي إذا تم التعامل معها بوعي وإيجابية دون إلغاء للهوية الثقافية للأمة الإسلامية وتراثها العريق.

إن مواجهة تحدي العولمة عند الحديث عن التنوع الثقافي تفرض حشد جميع الجهود لترسيخ الثوابت والمسلمات التي يؤمن بها المجتمع والإسهام في تعزيز قيم الحوار والتعددية والتعارف الحضاري الذي يقوم على مبدأ التعايش والتعارف والذي  دعا إليه القرآن في قوله تعالى: "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"( الحجرات,13), هذا المبدأ الذي يعزز نشر السلام والتعاون بين الناس دونما تفريق(عزوزي,2009)

وخلاصة القول, إن التربية على قيم التنوع الثقافي على قدر كبير من الأهمية نظراً إلى أنها تقرب الشقة بين مسافات الشعوب وتعترف بمقومات الإنتاج الثقافي والإبداع الحضاري, مما يجعل الحاجة ملحة لتفعيل دور المؤسسات التربوية في تعزيز قيم التنوع الثقافي ونشرها في المجتمع مع الحفاظ على الثوابت من أجل إنسانية أسمى وسلام عالمي.

المراجع:

الأمم المتحدة ( 2002 ). قرار الجمعية العامة 57 / 249: مركز وثائق الأمم المتحدة.

منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( 2005 ). اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي. باريس: منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم.

عبود, عبد الغني ( 2002 ). التربية والتعددية الثقافية في الألفية الثالثة ( ط 1 ). القاهرة, مصر: دار الفكر العربي .

عزوزي, حسن (2009).التنوع الثقافي في ظل العولمة. مجلة الوعي الإسلامي, الكويت, س(64), ع (524), ص ص 72-73

الظاهر, سمير حنا (2005). اليونسكو والتنوع الثقافي. مجلة تواصل, عمان, ع (1),  ص ص 54-55

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق