السبت، 7 نوفمبر 2015

مشروع (تعليم احترام الجميع) تصور مقترح لتنفيذه في البلاد العربية من وجهة نظر تربوية



مشروع (تعليم احترام الجميع)
تصور مقترح لتنفيذه في البلاد العربية من وجهة نظر تربوية

إعداد : نوف الفوزان
لقد خلقنا الله مختلفين وهو قادر على ان يخلق البشر سواسية لكن لحكمته عز وجل خلق الناس باختلاف ألوانهم ولغاتهم وأعراقهم واداتهم وتقاليدهم،  وجعل ميزان التفاضل بين الناس هو التقوى حيث قال "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ، كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى" ولو نظرنا إلى هذا الاختلاف من ناحية إيجابية نجد أن له فوائد فباختلاف الناس تتنوع المهن والإبداعات بطرق مختلفة فما لا أجده عندي أجده عند غيري وما هو عندي ليس عند غيري وبذلك يحصل تبادل المصالح والمنفعة .
ومن جانب آخر هناك مشكلة تواجهها ثقافتنا هي عدم تقبل الآخر المختلف وهذه المشكلة ليست جديدة بل هي موجودة منذ القدم من أيام الجاهلية والعصبية القبلية ، بل منذ خلق الله آدم وتكبر إبليس أن يسجد له تعصباً لجنسه، وعدم الاحترام وتقبل الآخرين يعود سببه إلى التربية التي نشأنا عليها والتعليم الذي تلقيناه ، فنجد ان التعليم يغرس فينا الصح والخطأ ولم يغرس فينا مفهوم الاختلاف وبالتالي فإن كل من هم مثلي صح وما دون ذلك خطأ.
وهنا أود أطرح تساؤلاً ماهي فائدة الاحترام؟
إن للاحترام أهمية كبيرة في حياتنا فهو الأساس والقاعدة للعديد من القيم الأخرى مثل التسامح والانفتاح على المجتمعات الأخرى والتآخي ونبذ التعصب والتمييز بجميع أشكاله من أجل أن نشعر جميعنا بالأمان الذي هو أحد الحاجات الأساسية للحياة.
وبعد أن نؤمن بأننا بحاجة إلى الاحترام فلابد إذن من التغيير ولكن كيف يبدأ هذا التغيير؟
في تصوري إن التغيير يمر بمراحل هي عبارة عن دوائر تتسع  حتى تصل إلى ثقافة المجتمع وهي كالتالي:

 
الذات المدركة:
لا تخلو مجتمعاتنا العربية والإسلامية من التعصب والتمييز خصوصاً على مستوى الديانات والمذاهب والجنسيات، على أن الإسلام نبذه وحرمها حتى مع المختلف في الديانة أوجب علينا احترامه.
لذلك فإن على الإنسان بأن يبدأ بنفسه بأن يتقبل الآخر ويحترمه وإذا وصل  إلى هذه القناعة يبدأ بتعليم من هم تحت ولايته كأبنائه وطلابه ومن له تأثير عليهم ولابد أن يكون لديه قناعة بالأفكار التالية ليطبق الاحترام في حياته ولن يؤمن بهذه الأفكار إلا شخصية منفتحة قابلة للتعلم وحب التطوير .
1-  أن الاختلاف هو سنة الله في الخلق وليس لأحد الاختيار أن يكون كذا أو لا يكون ، ولعل في ذلك حكمة ؛ فاختلاف البشر يعني اختلاف النشاطات والهوايات والمهن مما يسبب الرفاهية لبني البشر بأن يتبادلوا المنفعة وتتحقق قيمة العمل التي خلق الناس من أجلها.
2-  لا نركز دائما على الاختلاف بل هناك أشياء مشتركة بين بني البشر مما يساعدهم على التواصل فيما بينهم فلو ركزنا عليها لم يكن هناك داعي للكراهية بسبب الاختلاف.
3-    الابتعاد عن السخرية لأنها لا تنتج سوى مشاعر سلبية.
4-  يجب أن يعرف الإنسان أن أفكاره ليست بالتأكيد هي الصحيحة فالإنسان بطبيعته غير كامل والاعتقاد بأن الآخر يخطئ هذا هو الخطأ بعينه!
5-  احترام الآخر لا يعني اعتناق افكاره لكن يمكن النظر إليه على أنه اختلاف في وجهات النظر فكما يقال " الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ".
6-   وليس من الضروري أن تتكون صداقة مع المختلف معي ، يكفي فقط أن تكون العلاقة طيبة لأن الإنسان جبل على مصادقة من يشبهه.
7-  كل الأديان السماوية ذمت السخرية وحثت على قول الخير ولم تذكر التعنيف والمعاملة الجافة لمن لم يعتنقها ، قال تعالى " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي حسن" وباعتقادي أن الإنسان إذا آمن بهذه الأفكار فإنه سيتوصل إلى احترام الاخر المختلف
وانتقل بعد ذلك إلى المرحلة الأخرى من يعلم احترام الآخر وهي الحاضنة الأولى للطفل (الأسرة)
أولاً: احترام الطفل والامتناع عن تحقيره :
إن الاحترام لا يمنح مالم يتم تلقيه فيجب علينا أن نحترم أطفالنا ومن ثم نطلب منهم بالتأكيد أن يبادلونا الاحترام وقد أشار علماء النفس إلى أهمية هذين الأمرين : احترام الطفل ، وعدم تحقيره، وكلما التزم البوان باحترام طفلهما توجه هو الآخر إلى الآخرين بالحب والاحترام وإلا قد تنمو لديه نزعة الاحتقار لنفسه وللآخرين.
ثانياً: العدل والمساواة بين الأبناء فعندما ينظر الآباء إلى جميع أبنائهم بعين واحدة دون تمييز بينهم فإن ذلك يعلم الأبناء النظر إلى الآخرين دون تمييز أو تفرقة.
ثالثاً: التواصل والحوار: ينبغي على الآباء فتح قنوات التواصل والحوار والإقناع مع الأبناء في جميع المجالات ويمون الحوار بسيطاً بعيداً عن المحاضرات وبمستوى تفكير الطفل، وأن يكون الحوا متساوياً لكلا الطرفين ، بمعنى أن يكون لهما نفس الحق والوقت وإذا اتبع هذا الأسلوب مع الأبناء نشأوا على الالتزام بأدب الحوار مع الآخرين أما إذا افتقرت التربية لأساليب الإقناع والحوار وسادت أساليب القمع والإسكات في الأسرة فسينتج أشخاص فاقدي الثقة بالنفس، ويميلون إلى حب الذات ، ولا يستمعون لمن هم دون منهم، ولا يحترمون الآخرين والرأي المختلف.
رابعاً: حسن الاستماع: عطفاً على ما سبق فإن حسن الاستماع يعود الطفل هذا السلوك مع الآخرين
خامساً: تجنب الغضب عند الأطفال حتى لا يقلد بمظاهر الانفعال عند غضبه.
سادساً: القدوة الحسنة : من المعروف أن الطفل يقلد والديه لذلك يجب أن يعامل الوالدين الآخرين باحترام، وأن يتصرف بأدب في جميع المواقف ويهتم بحقوق الآخرين، ويغرس في الطفل احترام كبار السن أثناء الحوار أو طلب الأشياء ، والكبير الذي يجب على الطفل احترامه هو كل من يكبره سناً، من معلم أو جار أو قريب أو عامل أو خادم وغيرهم.
سابعاً: الشكر على صنع المعروف: يجب ان يمنح الوالدان الوافر من الثناء والتقدير ويعزز التصرف المحترم ويشجع على تكراره وامتداحه أمام أفراد العائلة.
ثامناً: التعويد على التواضع والاعتذار عن الخطأ: إذا صدر من الطفل تصرف دال على عدم الاحترام يمنح فرصة لإصلاح نفسه ولكن بدون توبيخه، فقط ينبهه بأن التصرف خاطئ ويملي عليه التصرف الصحيح ويطلب منه إعادة التصرف الصح ليصحح خطأه.
تاسعا: تعليم الاحترام عن طريق اللعب: يمكن للوالدين تعليم قيمة الاحترام لدى الأبناء عن طريق بعض الألعاب الترفيهية والتعليمية كي يصل المفهوم إلى أذهان الأطفال.(خليل،2005).
بعد ذلك يأتي دور المدرسة :
إن دور المدرسة هو متمم لدور الأسرة في تعزيز احترام الآخرين وهو مكمل لدورها ومطور لها.
لكن يجب تكون المدرسة بذاتها تمارس احترام الجميع داخل أسوارها، لأن تعليم الاحترام مسألة صعبة إلى حد ما ولكنه ممكن بالمحاكاة والتقليد لا بالتلقي ، فكما يقال "فاقد الشيء لا يعطيه"
لذلك على المعلمين والإداريين في المدرسة أن يتبعوا الخطوات التالية ليكونوا قدوة في احترام الآخرين .
1)- السلوك:
دائماً يحب الإنسان أن يحصل على أفضل معاملة ، ولا يحصل عليها إلا إذا كان حسن السلوك فيجب أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به، لذلك على المعلمين والإداريين أن يظهروا أفضل ما لديهم من حسن السلوك ليقابلهم الطلاب بالمثل.
2)- العدل والمساواة:
النظر إلى الطلاب جميعاً بعين المساواة فلا يفضل الطلاب على بعضهم لأسباب معروفة وغير معروفة ، وإنما يكون أساس التفضيل هو الإنجاز والتفوق فالطالب الذي ينجز هو الذي يحظى بالتميز.
3)- احترام القوانين:
يجب أن يحترم الجميع القواعد والقوانين المفروضة في المدرسة حتى يتعلم الطلاب احترام القوانين خارج المدرسة.
4)- احترام الاختلاف : يجب أن يحترم المعلم الاختلاف وإذا اختلف يكون بطريقة إيجابية وليست بطريقة ازدراء الطلاب و تقريعهم أو قمع آرائهم.
بعد ذلك ننتقل لسياسة المدرسة في التربية:
إن من أرقى صور التعليم ممارسة التربية الديمقراطية في الفصول الدراسية وعموم البيئة المدرسية فمن شأن هذه التربية أن تساعد الطلبة في معرفة حقوقهم وواجباتهم تجاه المجتمع، لأن التعليم الكلاسيكي القائم على التلقين لم يشجع الطلبة في كثير من الأحيان على احترام حقوق الآخرين في الوقت الذي يؤكد فيه التعليم الحديث على التنمية الأخلاقية والاجتماعية والثقافية للطلبة لتمكينهم من القيام بأدوارهم في المجتمع عبر احترام الاختلافات الدينية والمذهبية والقومية العرقية وما شابه ذلك (حبيب، 2012).
إذن فالتربية الديمقراطية تساعد على تعزيز قيمة الاحترام لدى الطلبة أيضاً لو وضع منهاج مخصص لتدريس السلوك والقيم ويقوم عليه من هو أهل له من ذوي الكفاءة من المعلمين ولا مانع من إقامة دورات تأهيلية للمعلمين المرشحين من قبل الإدارة.
هذا المنهج يبدأ من المراحل الأولى لتعليم التلاميذ وينمو مع نمو ذاكرتهم وفهمهم فيبدأ تعليم الاحترام في المراحل المبكرة باللعب وتكون قواعد اللعبة تعزز قيمة الاحترام.
ومع تطور المنهاج تتطور الأفكار ويبنى تعليم الاحترام على أربعة أركان يدرس على أساسها التلاميذ وهي:
1.    فهم الآخر واحترامه:
-    يجب أن يدرك التلاميذ أن الآخر هو بشر صنعه الخالق لذلك يحترم رأيه ولا يستهزئ به حتى وإن رأى مدى صحة رأيه ووجاهته أمام هذا الآخر.
-         يعلم التلاميذ احترام خصوصية وحرية وحقوق الآخرين فلا يعتدي عليها أبداً.
-    حين يحدث هناك اختلاف في السلوكيات يجب أن يعلم التلميذ أن وراء هذه السلوكيات مشاعر ومخاوف وتعليم وتربية مختلفة تجعله يسلك مثل هذه السلوكيات.
2.    التعايش:
عندما يتفهم التلاميذ الآخرين ويحترمون عقيدتهم وعقليتهم وأفكارهم يبادلونهم هذا الفهم فيستطيع المجتمع أن يتعايش معاً بكل أطيافه وكل أفكاره وكل عقائده.

3.    الاعتذار عن الخطأ:
-    يجب أن يعلم التلميذ أن الأخطاء والإساءات تصدر من الناس المغرورين، لذا يجب أن ينظر التلميذ بأنه ليس أفضل الناس ولا أحكمهم ولا أحسنهم فهناك من هو أفضل منه، وهذا ينمي قيمة التواضع لديه.
-    والأهم من الخطأ هو الاعتذار الحقيقي وعدم إعادة الكرة والتعلم من الخطأ ومحاولة النظر من جانب الآخر ووضع النفس مكانه.
4.    التسامح والعفو:
-    يعلم الطالب أنه إذا أسيء له بدون قصد فليسامح وليعف وله الحق بأن يعاتب وإذا أسيء له بقصد وجاء المعتذر طالباً الصفح وعازماً على عدم تكرار الخطأ فليعف وليصفح لأن ذلك يولد الاحترام ليعيش الناس بسلام ولا يكون هناك مجال للضغائن والأحقاد (خليل،2005)
    وباكتمال هذه الأركان الأربعة تشيد قيمة الاحترام للآخرين في نفوس الطلاب الذين هم جيل المستقبل وتربيتهم على الاحترام ستشرق ساطعة في أرجاء المجتمع ليعيش أفراده بأمان وسلام.
وأخيراً أضيف اقتراح لتعزيز هذه القيمة في التربية ، لو وضعت فعاليات لتعزيز هذه القيم وأنشأت المعارض والأمسيات الشعرية مثلاً، ونشرت المقالات الصحفية التي تدعو إلى تعزيز الاحترام فإن الوعي بالاحترام سينمو ويزدهر ويصبح من المسلمات  والسلوكيات المعتادة في المجتمع. 


المصادر والمراجع:
-    حبيب، فاضل (2012). التعلم من أجل الاحترام، جريدة الوسط، ع(3452)، www.alwasatnews.com  تاريخ الرجوع : 14/1/1437هـ.
-    خليل ، سعادة (2005).تنشئة الأطفال على التسامح واحترام الآخرين www.diwanalarab.com تاريخ الرجوع : 15/1/1437هـ
-         موقع تسعة (2013). مقال بعنوان "كيف تعلم طفلك قواعد الاحترام" ،
www.ts3a.com   تاريخ الرجوع :14/1/1437هـ

هناك تعليق واحد:

  1. ثقافة الاحترام باتت اليوم مقياساً لمدى تحضر وتقدم الشعوب, ولا أعتقد أن مفهومها يقتصر على التعامل مع الأشخاص أو مع الآخر, بل يعد مفهوماً واسعاً يشمل احترام الوقت, واحترام المكان, واحترام الفقراء والعاجزين والضعفاء.
    ولعل من أسمى درجات الاحترام احترام التاريخ والإرث الثقافي والماضي الذي صنع الحاضر .
    الشعوب المتقدمة تحاول جاهدة أن تحترم تاريخها: توثقه, تنقله, تعتز به, تجسده في المكتبات والمتاحف والنصب التذكارية, تحكيه لأبناءها وتنشره بين الأمم.
    فأين نحن من احترام تاريخنا ؟

    بلسم المغذوي.

    ردحذف