إعداد: بلسم المغذوي
تمتد جذور صراع الإنسان من أجل الدفاع
عن الكرامة والظفر بالحرية والمساواة إلى أزمنة سحيقة عبر التاريخ, وفي العقود الأخيرة
تبلورت إحدى صيغ هذا النضال الإنساني في مفهوم حقوق الإنسان, والذي تطور ليشمل
حقوقاً نوعية تراعي جميع حالات الإنسان وظروفه, ولا شك بأن حقوق الأفراد ذوي
الإعاقة حظيت بمكانة بارزة في أجندة الشعوب المتقدمة, حيث يعكس الاهتمام بالأفراد
ذوي الإعاقة أحد المعايير التي يقاس بها تقدم المجتمعات, لما يمتلكونه من قدرات
تؤهلهم للمساهمة بأدوار فعالة في بناء وتنمية مجتمعاتهم عندما يحصلون على حقوقهم
كأفراد إنسانيين.
وتحظى حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
باهتمام المنظمات الدولية والمحلية حول العالم, انطلاقاً من واقع تهميشهم من نيل
حقوقهم الإنسانية, حيث يتعرض الأفراد ذوي الإعاقة للتمييز وعدم المساواة, كما أنهم
يتعرضون أكثر من غيرهم لقيود وعوائق تحرمهم من حقوق التعليم والصحة والتوظيف
والعيش المستقل في المجتمع والحقوق المدنية والالتزامات القانونية, ولا يحصلون على
قدر كافٍ من المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية, على الرغم من أنهم يمثلون
جزءاً لا يتجزأ من كيان المجتمع, وشريحة مهمة من شرائحه المختلفة, فحسب الإحصائيات
العالمية تتزايد أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة على نحو مستمر لأسباب مختلفة, ويقدر أن
هناك أكثر من مليار شخص من ذوي الإعاقة في العالم, أي حوالي 15% من سكان العالم,
وأن هناك 785 مليون شخص أي ما يقدر بـ 15,6% ممن تبلغ أعمارهم 15 عاماً أو أكثر
يعيشون مع شكل من أشكال الإعاقة, وتزداد هذه النسبة في البلدان النامية وذات الدخل
المنخفض بالمقارنة مع الدول المتقدمة (منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي, 2011).
ويأتي الاهتمام بحقوق ذوي الإعاقة في
المجتمعات الإسلامية منبثقاً من تعاليم وقيم الدين الإسلامي الحنيف الذي سبق
الأنظمة والقوانين الدولية في الاعتراف بحقوق ذوي الإعاقة ومعاملتهم على قدم
المساواة مع غيرهم, فالإعاقة في الإسلام ليست نقيصة ولا مبرراً للتجاهل, والآيات
القرآنية التي تدل على ذلك كثيرة, منها قصة الصحابي الجليل عبدالله بن أم مكتوم في
قوله تعالى: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى)
(سورة عبس:1-4). ورغم أن حقوق ذوي الإعاقة تمثل امتداداً للحماية المكفولة في
التعاليم الدينية والمعاهدات المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
والتي ينبغي أن تسري على الجميع, إلا أن الأشخاص ذوي الإعاقة كثيراً ما يجري
تهميشهم في النقاش المتعلق بالحقوق ولا يتمكنون من التمتع بكامل مجموعة حقوق
الإنسان.
وتعد حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
ممارسات تربوية وثقافية, إلا أنها ظلت فترة طويلة تنتهج نهجاً تقليدياً ومتجهاً
نحو الأعمال الخيرية والطبية, مما دفع المجتمع الدولي إلى تبني وإعلان اتفاقية
حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 2006 م ودخلت حيز
التنفيذ في عام 2008 م, ووقعت عليها المملكة العربية السعودية من أجل حماية وصون
حقوق المعاقين على قدم المساواة مع حقوق وكرامة الأشخاص غير المعاقين (الأمم
المتحدة,2007), وتعتبر هذه الاتفاقية نتاج لعقود من الجهود المتضافرة في ميدان
الأشخاص ذوي الإعاقة, ورد فعل للتاريخ الطويل من التمييز والتهميش داخل المجتمعات
ضد ذوي الإعاقة, فقد ركزت على ضرورة التحول في طريقة تعامل المجتمعات مع هذه الفئة
التي تشكل ما يقدر بـ 15% من سكان العالم, كما أكدت هذه الاتفاقية على أن الإعاقة
ليست مسئولية الدولة وحدها, وإنما هي مسئولية مشتركة بين الدولة ومختلف الفاعلين
والشركاء من أجل كفالة تنفيذها (عبد السلام, 2015).
وعلى الرغم من المعاهدات والاتفاقيات
الدولية والمحلية, فإن واقع ثقافة حقوق ذوي الإعاقة يتحدث عن قصور واضح في الوعي
بها وممارستها في مجالات الحياة المختلفة, فالدراسات المسحية التي أجريت في 13
بلداً منخفض ومتوسط الدخل, أظهرت أن احتمالية التحاق الأطفال ذوي الإعاقات في
الفئة العمرية 6 أعوام-17 عاماً بالمدرسة تقل إلى حد كبير عن احتمالية التحاق
الأطفال غير المعاقين بها (يونسيف,2013), كما يؤكد خطابي (2006) ضعف تقبل المجتمع
للمعاقين, وأن الواقع الاجتماعي في المجتمع العربي لا يعكس فعلياً حصول المعاقين
على حقوقهم التي ضمنتها لهم المعاهدات والاتفاقيات الدولية والمحلية, وأوصى بضرورة
دمج وتقبل المعاقين في شتى مجالات الحياة الاجتماعية وتعزيز الشعور بالانتماء
والمواطنة لديهم (خطابي, 2006), بالإضافة إلى ذلك فقد جاء في تقرير الأمم المتحدة
أنه على الرغم من التقدم الكبير في الإطار المعياري المعني بالإعاقة خلال العقود
الثلاثة الماضية فقد اتخذت إجراءات محدودة على أرض الواقع, وكان من العوامل
المساهمة في ذلك عدم فهم الإعاقة على أنها قضية من قضايا التنمية الشاملة, وبالتالي فإن النجاح في مسائل الإعاقة
يكمن في زيادة الوعي بها وزيادة تقدير مكانتهم وحقوقهم في المجتمع (الأمم
المتحدة,2013).
وتعاني قضية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
من قصور واضح في التعامل معها بسبب افتقادها لوجود ثقافة مستنيرة لدى المجتمع
تحترم آدميتهم, وحصولهم على حقوقهم في مختلف الميادين وجميع المستويات, لا من باب العطف
عليهم والإحسان إليهم, بل باعتبارهم عنصراً بشرياً بإمكانه العطاء والتميز
والمشاركة في بناء المجتمع, وتشمل ثقافة التعامل مع ذوي الإعاقة الإيمان بكامل
حقوقهم التي كفلتها لهم المواثيق الدولية والمحلية, ويستلزم هذا تثقيف الناس
وتبصيرهم بالحقائق العلمية في هذا الشأن, ولا شك بأن للمؤسسات التربوية دور هام في
إشاعة الإيمان بحقوق ذوي الإعاقة ونشرها بغرض تأسيس مستلزمات التعليم والتأهيل
اللازمة لإدماج ذوي الإعاقة في الطاقة البشرية المنتجة في المجتمع واستثمار
قدراتهم عن طريق التربية السليمة بدلاً من نبذهم وحرمانهم من كرامتهم الإنسانية
(سكران,2012).
إن مدى جدوى المعاهدات والاتفاقيات الدولية
ذات العلاقة بحقوق الأفراد ذوي الإعاقة تظل محدودة مالم يتم استيعابها وممارستها,
والملحوظ أن هناك حاجة لنشر ثقافة حقوق المعاقين معرفياً وقيمياً بين أطياف
المجتمع, الأمر الذي يدعو إلى ضرورة تفعيل دور التربية والتعليم في تعميق ثقافة
حقوق ذوي الإعاقة لدى الأفراد العاديين, من خلال الوعي والتعريف بها, وتنمية
مهارات التعامل مع ذوي الإعاقة, وتعزيز القيم التي تشجع على الاهتمام بهم وتقبلهم
وحفظ حقوقهم كأي أفراد عاديين باعتبارهم جزءاً أصيلاً من المجتمع.
المراجع والمصادر:
القرآن الكريم.
الأمم المتحدة (2007). اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
نيويورك: مركز وثائق الأمم المتحدة.
خطابي, أحمد
(أكتوبر 2006). الواقع الاجتماعي وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع العربي. مجلة
جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والإنسانية, جامعة الشارقة, الإمارات العربية
المتحدة, مج (3), ع (3), ص ص 121- 138
الأمم المتحدة
(2013). سبل المضي قدماً: وضع خطة تنمية شاملة لمسائل الإعاقة حتى 2015 وما بعده.
الدورة الثامنة و الستون, نيويورك: مركز وثائق الأمم المتحدة.
سكران, محمد
محمد (2012). نحو ثقافة مستنيرة للتعامل مع ذوي الإعاقة. مجلة رابطة التربية
الحديثة, مصر, مج (5), ع (16), ص ص 13-28
عبد السلام,
زروال (2015). حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في إطار اتفاقية الأمم المتحدة. مجلة
جيل حقوق الإنسان, مركز جيل البحث العلمي, الجزائر, ع (6,7), ص ص 155-170
منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف (2013). وضع
الأطفال في العالم 2013 الأطفال ذوو الإعاقات. يونيسيف.
منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي (2011). التقرير
العالمي حول الإعاقة. منظمة الصحة العالمية, مالطة.