الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

تأثير العولمة على التربية والتعليم بواسطة: بلسم المغذوي

إعدادا: بلسم المغذوي

لا تعيش المجتمعات الإنسانية اليوم في حالة منفصلة عن بعضها, فما يحدث في أقصى الشرق يتأثر به أقصى الغرب بشكل أو آخر, مما جعل زيادة التفاهم بين الشعوب هدفاً أساسياً للتربية الدولية, هذا التفاهم أدى إلى تكوين ثقافة عالمية جديدة , وقد أحدث هذا الهدف تغيراً في نظرة الحكومات إلى التربية الدولية, فبعد أن كانت الحكومات تقوم بالنشاطات التربوية باعتبارها أداة للسياسة, بمعنى أن تكون النشاطات التربوية وسيلة لإقامة علاقات سياسية طيبة, أصبحت تتبادل هذه النشاطات مع الأقطار والمناطق ذات الأهمية الخاصة من الناحية السياسية, أي أن التبادل التربوي قد أصبح تعبيراً عن علاقات خاصة قائمة بين الأقطار في أنحاء العالم.

ولذلك تحرص المجتمعات خاصة الغربية على ربط التربية الدولية التي تقدمها لأبنائها بالتغيرات الحادثة في الدول الأخرى, وعلى سبيل المثال, أحدثت الولايات المتحدة الأمريكية تعديلات على قانون التعليم العالي من أجل التربية الدولية لقناعتها بأن استقرار وأمن الولايات المتحدة الأمريكية في زمن العولمة يتوقف على مدى وعي أبنائها بما يحدث في مناطق العالم والشؤون الدولية, وقناعتها بأن تغير الواقع الدولي له تأثيره الإيجابي والسلبي على المجتمعات الأخرى, بما فيها الإسلامية والعربية ( البهواشي,2003).

ومن الأمثلة على علاقة التعليم بالعولمة قضية التعاون الدولي من خلال مشروعات التنمية المستدامة, وتبصير الشعوب بالصلة بين التنمية والبيئة, وأننا نشترك في عالم واحد ومستقبل واحد, وقد يبدو هذا نوع من المسئولية الدولية نحو العيش المشترك بسلام, لكنه في حقيقة الأمر يحمل في طياته مدى تأثير العولمة على التربية, فاتساع وتداخل المشكلات التي يواجهها المجتمع الدولي كالنمو المتسارع, وتدهور حالة البيئة, والفقر المتواصل, يتطلب اتخاذ إجراءات واسعة النطاق, وذلك بإحياء التعاون الدولي وتعزيز إمكانياته, وقد ساعد على ذلك الآثار السياسية والاقتصادية للعولمة, بالإضافة إلى التحول للديمقراطية وظهور الشركات متعددة الجنسيات وتنامي التعليم عن بعد, وزيادة مواقع التعلم الذاتي عبر الانترنت, وما نتج عنها من صراعات دولية, بالإضافة إلى ثورة الاتصالات, والانفجار المعرفي, مما جعل التربية تبدو أكثر الوسائل الأساسية من أجل بقاء الإنسانية, واستمرار عمليات التنمية (لاشين, وعبد الجواد,2012).

ويأتي هذا المنظور في ضوء تبعات عولمة التجارة, حيث أصبحت عولمة التعليم مرادفة في بعض الأحيان لعولمة التعليم, ففي استراليا على سبيل المثال, صار ينظر إلى التعليم على أنه تجارة دولية, تجارة في المعرفة والمهارات, لذلك أصبح التعليم من أهم الصادرات في استراليا التي تقدم مقررات دولية وعالمية, وتبعاً لهذا المنظور فإن التربية الدولية كما يراها البعض, تقوم بكسر أو تحطيم حاجز القوميات فهي بمثابة " امبريالية تربوية" تسعى لتصدير التعليم الغربي إلى دول العالم النامي, بهدف النشر الامبريالي للغة الانجليزية بدعوى أنه لغة الاتصال العالمي ومجال للتحدث بها في مختلف مناطق العالم, علاوة على أن التربية الدولية بهذا المنظور تعتبر طريق ذات اتجاه واحد لصالح الدول المتقدمة الأقوى تكنولوجياً ومعلوماتياً, لذلك فهي تنقل الأفكار والمفاهيم إلى شعوب العالم النامي بالطريقة التي تريد على أن تكون عليها هذه الشعوب ( البهواشي, 2003).

وفي هذا السياق, يتساءل البعض عن مدى تأثير قضايا التربية الدولية في دول العالم النامي, وأنها  ليست سوى شعارات عريضة, وعبارات رنانة, ولكن المهتمين بهذا الشأن يقولون أن قضايا التربية الدولية التي تطرحها المنظمات الدولية وتتبناها الدول المتقدمة هي قضايا عامة وحذرة جداً, والسبب في ذلك يعود في واقع الأمر إلى أن المنظمات التربوية الدولية ليست متحررة من الضغوط تماماً, وإنما مقيدة بطريقة غير مباشرة بمجموع القيود الظاهرة والخفية في مجمل الأقطار الداخلة في عضويتها, وقد ظهر ذلك بوضوح في خروج بلدان كبرى من عضويتها مثل خروج الولايات المتحدة الأمريكية من عضوية اليونسكو مؤخراً, ولذا فإن قضايا التربية الدولية تأتي حذرة جداً في طروحاتها واقتراحاتها وتحاول أن ترضي الأكثرية من الأعضاء النافذين إن لم يكن الجميع, ولهذا السبب تأتي الطروحات لامعة وبراقة تلفت الانتباه وتستأثر بالاهتمام, وبعد التحليل يتبين أنها تنطوي في ثناياها على طروحات وتوجهات لا تختلف عما تطرحه الدول الكبرى النافذة على الساحة الدولية وتابعاتها, وبالتالي تبدو غالباً وظيفية وهيكلية وغير مفيدة إنمائياً للبلدان النامية التي تشكل أكثرية دول العالم.

لكن هذا الحال لا يقلل من أهمية الدور الذي تلعبه التربية الدولية في الدول النامية, إذ بالنظر إلى حالة الجمود التربوي العام في معظم الدول النامية بما فيها المجتمعات الإسلامية والعربية, وبالنظر إلى محاولة تقليل الثقة بالمؤسسات التعليمية العامة, والتشكيك في جدوى الفرص والإمكانيات التي تفتحها التربية إجمالاً في عصر التقنية المادية, فإنه في ظل هذا الحال تصبح المنظمات الدولية وما تقدمه من قضايا تربوية منارة من المنارات التربوية القليلة في دول العالم الذي لا تزال في الظلام التربوي الدامس, وهي تمثل أضعف الإيمان بالتربية, ولابد من تأييدها وتعضيدها حتى تقوى وتهتدي أكثر فأكثر, فلعل المستقبل يفتح أبواباً أوسع للتعلم الحقيقي والإنماء الشامل ( السليطي, والصيداوي, 1998).

خلاصة القول, أن مجتمعاتنا جزء من هذا العالم شئنا أم أبينا, وهي ليست منفصلة ولا بعيدة عنه, والعولمة أصبحت واقعاً لا مفر منه ولابد من التعامل الواعي معها, والتربية الدولية في عصر العولمة باتت لغة التعامل التربوي بين شعوب العالم, ورغم أنها قد تبدو للبعض غير ذات فائدة, إلا أنها قضايا ضرورية بالنسبة إلى الدول المتقدمة والنامية على حد سواء, فالدول المتقدمة تحقق من خلالها مصالح خاصة وتفرض هيمنتها من خلالها, بينما تستفيد الدول النامية منها في التقدم والخروج من حالة الجمود التربوي, خاصةً إذا تم تطبيقها تحت شعار ( نفكر عالمياً, ونعمل محلياً ).

المراجع:

البهواشي , السيد عبد العزيز (2003). التربية الدولية والإعداد للحياة المعاصرة دراسة تحليلية للاتجاهات الحديثة. المؤتمر العلمي الخامس عشر (مناهج التعليم والإعداد للحياة المعاصر), مصر, مج (1), ص ص 206-234

السليطي, حمد بن علي, والصيداوي, أحمد علي (1998). دراسة الاتجاهات العامة للإصلاح التربوي في العالم. ندوة استشراف مستقبل العمل التربوي في دول الخليج العربي, مكتب التربية العربي لدول الخليج, الرياض , السعودية.

لاشين, محمد عبد الحميد, وعبد الجواد, مروة عزت (2012). آليات تضمين  ثقافة التربية من أجل السلام بالتعليم الجامعي في ضوء متطلبات التربية الدولية, مجلة كلية التربية, بنها, مصر, مج(23), ع(92), ص ص 27-97

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق