الثلاثاء، 8 ديسمبر 2015

      العقلية الثقافية العربية                              أعداد:الهنوف المطيري

     تتمثل الثقافة في العقيدة, والقيم, والقواعد التي يقبلها ويمثل لها أفراد المجتمع, وذلك لأن الثقافة هي قوة, وسلطة موجهة لسلوك المجتمع, تحدد لأفراده  تصوراتهم عن أنفسهم, والعالم من حولهم, وتحدد لهم ما يحبون ويكرهون ويرغبون فيه كنوع الطعام الذي يأكلون, ونوع الملابس, والطريقة التي يتكلمون بها, والألعاب الرياضية التي يمارسونها.
      وتعتبر الثقافة مجموعة من المعتقدات, أو الأفكار المتراكمة, أو الاتجاهات الفكرية التي يتميز بها جماعة معينة, أو مجتمع بعينة, وتتسم تلك الأفكار والمعتقدات بأنها تتيح مجالا مشتركا من القيم والتوجهات المعرفية من أجل تحقيق أهداف معينة.
     فالثقافة كما عرفها ناصر(2010) :"هي مجموعة من الأفكار, والقيم, والمعتقدات, والتقاليد والعادات, و الأخلاق, والنظم, والمهارات, وطرق التفكير, و أسلوب الحياة, والعرف, والفن والنحت, والتصوير, والرقص الشعبي, والأدب, والرواية, والأساطير, ووسائل الاتصال والانتقال, وكل ما صنعته يد الإنسان, وأنتجه عقله من نتاج مادي ومعنوي, أو توارثه وأضافه إلى تراثه نتيجة عيشه في مجتمع معين".
     ولا تقتصر الثقافة على القيم والأفكار وطرق التفكير, بل الثقافة اشمل من ذلك نصف بها ممارستنا التي نقوم بها في حياتنا, وهي السلوك الذي يرضى عنه إنسان مجتمع معين, ويرتضيه لنفسه, وهي النظام الذي يقبل التعامل به مع غيره, وهي المظهر الذي يميز فئة من الناس عن فئة أخرى, وهي النمط الذي يسير عليه مجموعة من بني البشر, معبرا عنها برموز وأفعال, وكلمات, وسلوك, وهي في محتواها مادية, وغير مادية.
      إن الثقافة تظهر في سلوك الإنسان أنها الخارطة الجغرافية الإيضاحية التوضيحية التي يحملها الإنسان على كتفه يهتدي بهديها, ويسير وفق خططها, إنها رادع داخلي, ومراقب متنبه ودليل يقظ يرشد الإنسان في حياته, فيدله على الطريق الذي يرضاه المجتمع الذي يعيش فيه, وتقبله الجماعة التي يتعامل معها, وبذلك تفتح له الأبواب الموصدة, وينعم في حياته, وتسير أموره بيسر وبسهولة, وتمهد له الطرق الوعرة, وتيسر له كل عسير من أمور حياته في مجتمعه (ناصر,2010).
والثقافة العربية والإسلامية تميزت عن ثقافات العالم بميزات عدة:
1-  إن الثقافة العربية الإسلامية في مبادئها, وأصولها, وفي مفاهيمها, ودلالاتها تعبر عن جوهر رسالة الإسلام السمحة, فهي بذلك ثقافة إنسانية بالمعنى العميق تتفتح على ثقافات الأمم والشعوب, فتتثاقف وتتمازج, وتتصاهر معها, وأن مصدر ثرائها, وقوتها ومناعتها يكمن في هذه الخاصية التي لا يعرف التاريخ الثقافي البشري نظيرا لها.
2-  أن الثقافة العربية والإسلامية في عمقها وجوهرها ثقافة تدافع لا ثقافة تصارع, فالتدافع هو سنة الله في الحياة, أما التصارع أو الصراع فهو مفهوم يعود إلى التراث الإغريقي والروماني الذي عرف أساطير صراع الآلهة, ولا يعبر عن الطبيعة البشرية, والفطرة الإسلامية, وهذا منبع من منابع القوة والحيوية, والقدرة على الحضور في ساحة التنافس الثقافي, لأن التدافع الثقافي مصدر قوة, في حين أن التصارع أو الصراع الثقافي يؤدي إلى إضعاف الذات, والنيل من القدرات, والملكات, ويسير في اتجاه معاكس للغايات الإنسانية النبيلة.
   وليس عزوف الثقافة العربية والإسلامية عن الصراع ضعفا في كيانها, أو خللا في عناصرها الأساسية, ولكنه عنصر تحضر فيها, وعلامة نضج ووعي ومظهر صحة, ومن المؤكد أن خاصية النزوع نحو التدافع بدلا من التصارع هي التي مكنت الثقافة العربية والإسلامية من الصمود أمام الأعاصير الثقافية والفكرية والمذهبية التي واجهتها عبر العصور (التويجري,2006).
3-  إن كثيرا من جوانب الثقافة العربية والإسلامية في أوضاعها, ومستوياتها الحالية مع شديد الأسف, والأسى لا تعبر عن هوية المجتمع العربي والإسلامي, لأنها جوانب يعتريها الضعف من كل النواحي, ولأن هناك تفاوتا ظاهرا بين المنابع وبين البدائع, ونقصد بذلك أن أساس هذه الجوانب ليس مستمدا في مجمله من المنابع الأصلية, وان هذه الظاهرة هي مصدر الضعف العام في الثقافة العربية الإسلامية في المرحلة التاريخية الراهنة (التويجري,2006).
      إن الثقافة العربية والإسلامية هي ثقافة اجتهاد, وإبداع مستمرين, في إطار الشريعة والقيم الخلقية التي تميز حضارة الإسلام, وتعبر عن هوية الأمة, لذلك فإن عطاء هذه الثقافة عطاء متجدد بتجدد الأحوال, واختلاف القضايا, والأفعال.
      ولا ينبغي أن نخدع أنفسنا فنحسب أن قوة الإبداع تنبع من عقل الإنسان المثقف المبدع ومن خياله, ووجدانه, وان لا صلة لذلك بالقيم والمقومات, إن هذا وهم من جملة الأوهام التي تسود حياتنا العقلية, وأجوائنا الثقافية, لأن الثقافة العربية والإسلامية لن تقوى على مواجهة الأخطار التي تهددها, والتحديات التي تواجهها, إلا إذا استمدت قوتها من جذورها وأصولها, ومن قيم الأمة ومقوماتها, وليس في ذلك نوع من الحجرعلى الإبداع, أو القيد على التفكير والتغيير (التويجري,2006).
       ولا بد من الاعتراف بأن الوضع الحالي للثقافة العربية بصورة إجمالية وضع ضعيف, لا يسمح لها بالتماسك والصمود أمام موجات العولمة, وتحديات الحداثة, ولكن مرجع هذا الضعف لا يعود إلى المقومات الذاتية للثقافة العربية, إنما يعود إلى الضعف العام الذي تطبع به الأمة العربية الإسلامية في هذه المرحلة من التاريخ, في الميادين كافة وبصورة أخص في ميادين التربية والتعليم, والبحث العلمي, والتقدم الثقافي, والاقتصادي والتطور الاجتماعي, وإدارة الأزمات, والتوظيف الأسلم, والأنفع للقدرات والإمكانات(التويجري,2006)
     ولعل هذا الضعف في الثقافة العربية والإسلامية هو ما جعلها في دور التابع المنبهر والمستسلم للقضايا الدولية, والتي تبنتها دول عالمية أخرى لا تحوي أي جزء من الغنى الثقافي الذي تحويه ثقافتنا الإسلامية, والعربية في تعاملها مع هذه القضايا.
      فبدلا من أن نمسك زمام المبادرة في حلها في الداخل, وعلى المستوى العالمي من خلال التأصيل الإسلامي لهذه القضايا أصبحنا مع الأسف تابعين للتطور العالمي, المتعلق بهذه القضايا, نبحث عن الحل بطريقة غير مباشرة من خلال نتائج, وتوصيات المؤتمرات التابعة للمنظمات الدولية, والتي تنظم إليها الدول العربية والإسلامية, فتتفق معها, أو تعتذر عن الموافقة عليها, دون أن تكون هي المتصدرة في حلها, والمبدعة في معالجها من خلال استخلاص حلولها من منابع ثقافتنا الإسلامية الغنية.
     فاتسمت ثقافتنا بالتبعية أكثر من الإبداع في هذه الجوانب, وفي حل القضايا المعاصرة, ولعل السبب في ذلك هو تفوق دول العالم المتقدم على ثقافة دولنا العربية, والإسلامية, أو بسبب انعدام الثقة بالنفس لدينا, وعدم قدرتنا على إنتاج القيم, والمعاني, والأفكار, والأنماط السلوكية, التي تحتاجها مجتمعاتنا لتظهر مجتمعاتنا العربية والإسلامية بحالة من التهميش والتناقض والفك, وبعيدة تماما عن الأصالة في مواجهة قضاياها, فأصبحنا معجبين ومقلدين, ومرتبطين بالحضارة الغربية في تعاملها مع قضايا العالم.
      ويذكر احد الباحثين بأننا لسنا في حاجة إلى سرد الإنتاج الثقافي العالمي ومدى عونه ومساعدته لحل مشكلات الإنسان, لأنه يعتبر سجلا حافلا بالانجازات, والكم الهائل من المنتجات الثقافية, والتنوع في الأساليب الفكرية, والذي لا تتردد ثقافة دون أخرى في استخدام منتجه, أو تطبيق فكرة, والثقافة العربية بطبيعتها التقليدية يساورها دائما هاجس الخوف, فتظل على طبيعتها المتسمة بالحذر تجاه المنتجات, والأفكار الغربية, وما يميز الثقافة في تقليديتها هي ميزة, أو خاصية التردد والترقب والحيطة والحذر, وهو وصف عند حد الثقافة الشعبية في عموميتها, وإنما يتسلل إلى حيث"مطبخ السياسة الاجتماعية العربية" والمرهون بها اتخاذ القرارات, والتشريعات كعناصر, أو أدوات ثقافية من شأنها التعجيل بمواجهة المشكلات والعمل على حلها (إبراهيم,1999).
      ومن تلك المشكلات والقضايا التي نادت بها دول العالم المتقدمة ممثلة بمنظماتها الدولية قضية حقوق الإنسان, هذه القضية على سبيل المثال كان أول من قرر المبادئ الخاصة بها في أكمل صورة وأوسع نطاق هو الدين الإسلامي, والأمة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده كانت اسبق الأمم في السير عليها.
     إن ما حفل به الإسلام من حريات, وما شرعه من عدالة ومساواة, وما ضمنه للجماهير من كرامة, لم يكن يدرس في عواصم الأمة الإسلامية وحدها, لقد عبر أوروبا مع شتى الثقافات الأخرى, وظل يحرك الحياة الأوربية حتى انفجرت في ثورات التحرر تهتف بمبادئ لم تكن معروفة في أرضها خلال القرون الماضية.
     ولعل قراءة متأنية لأصول الإسلام ونصوصه المتعلقة بحقوق الإنسان, توضح أن ما أملت فيه الإنسانية من قواعد وضمانات لكرامة الجنس البشري كان من أبجديات الإسلام, وأن إعلام الأمم المتحدة عن حقوق كان ترديدا عاديا للوصايا النبيلة التي تلقاها المسلمون عن الإنسان العظيم محمد صلى الله عليه وسلم (عبد العال,1993).
    وليس من المبالغة القول بأن هذه الحقوق قد عرفت في الإسلام قبل أن تعرف في كل المواثيق, والإعلانات الدولية الحديثة, وأن قاعدة هذه الحقوق في أصول الإسلام, ومصادرة كانت أوسع منها في تلك المواثيق, وأن أساس هذه الحقوق في الإسلام هو نظرة الإسلام إلى طبيعة الإنسان, حيث أن الإنسان له كرامته, وأنه ولد حرا ومتساويا مع الآخرين, وان مظاهر القهر والاستبداد ترجع إلى أسباب اجتماعية, وليست مظاهر تنتمي إلى طبيعة الإنسان ذاتها, ومن هذه الطبيعة تحددت معالمها في أصول الإسلام تستمد حقوقه, فالإنسان الذي هو خليفة الله في الأرض لا يصح أن يضطهد, أو يظلم, أو تسلب حريته ,أو يفرق بينه وبين أخيه الإنسان على أساس العرق, أو اللون, أو غيرهما(عبد العال,1993).
      وهناك ما يشبه الإجماع في أن هذه الثورة التي جاء بها الإسلام في عالم حقوق الإنسان ارفع وأوسع من تلك الثورات التي تبدأ أو تنتهي في نطاق الحركات الاجتماعية, أو السياسية, إنها ثورة كونية ترتفع بحقوق الإنسان, وقيمه إلى أعلى فأعلى, وإلى أكمل فأكمل (عبد العال,1993).
     وبلغ الإسلام في تقديسه لهذه الحقوق إلى الحد الذي جعلها ضرورات, ومن ثم ادخلها في إطار الواجبات التي لا تقبل الحذف, ولا النسخ, ولا التعطيل, وكانت الخاصية الأساسية لمجمل حقوق الإنسان في الإسلام أنها فرائض مرتبطة بالإيمان بالله, وبتقوى الله, وهذا الارتباط بالله, وتقواه في الإسلام هو مصدر قوة هذه الحقوق.
     ويمكن قياس ذلك على جميع القضايا الدولية التي تتبناها المنظمات الدولية, كقضية التسامح التي تبناها الدين الإسلامي فجاء في آيات الله ما يشير إليها من صفات كالدعوة إلى التقوى, والتشاور, والتآزر, والتواصي, والتراحم, والتعارف, مؤكدا كذلك بحق الاختلاف بين البشر, إلا انه لا يلغي الإتلاف, بالإضافة إلى قضايا حفظ السلام, والأمن داخل المجتمعات وبين المجتمعات, وقضايا البيئة, وحل مشكلاتها والعولمة والإرهاب وغيرها.
    كل هذه القضايا تبناها ديننا الإسلامي قبل أن تنادي بحلها المنظمات المختلفة, لأنه باختصار دين رباني المصدر, عالمي التأثير, لا يشوبه نقص, أو قصور.
    ولا يعني أهمية رجوعنا إلى الدين الإسلامي في حل قضايانا التقوقع حول الذات, أو الجمود والرجوع للماضي, بل لا بد من الأصالة, والمعاصرة في تفكيرنا, وفي حل قضايانا ولا بد من التبادل الثقافي بين الأمم على أساس الحوار المبني على الاعتراف بأن لدى الآخرين ما نتعلمه منهم, وأن لدينا ما نعلمه للآخرين.
     إن عملية التبادل الثقافي تنبع من الإيمان بأهمية التلاقي بين الثقافات, وأن هناك منافع متبادلة للجميع انطلاقا من مبدأ عالمية الثقافة, وأن انتقال الأفكار, والقيم, والمكتسبات الإنسانية لا يمكن وقفه من خلال الحواجز السياسية, والحدود الجغرافية, وأن هذا الانتقال يسمح بتعميم التطور العلمي, والفكري, وإشباع الوعي البشري لدى جميع الشعوب لدفع الحضارة البشرية نحو التقدم (بركات,1998).
المراجع:
-         إبراهيم,محمد(1999).الثقافة العربية وتحديات العولمة,مجلة شؤون اجتماعية,ع(61).ص133-163.
-         بركات,نظام(1998).بين الثقافة العربية والثقافة الغربية ,مجلة الجامعة الإسلامية ,مصر,ع(27),ص157-170.
-    التويجري,عبد العزيز(2006).الثقافة العربية في عصر العولمة ,مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة,مصر,ج(108),ص131-156.
-    عبد العال,حسن(1993).التربية وأزمة حقوق الإنسان في الوطن العربي,مجلة دراسات تربوية ,مصر,مجلد(8),ص146-194.
-         ناصر,إبراهيم(2010).أسس التربية(ط3),الأردن:دار عمار للنشر والتوزيع.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق