الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

بين العولمة والعالمية إعداد : نوف الفوزان



بين العولمة والعالمية

إعداد : نوف الفوزان

تلتقي لفظتا "العولمة" و"العالمية" في جذر لغوي واحد ومردهما إلى لفظة العالم ومن هنا جاز أن تكون دلالتهما اللغوية واحدة ؛ لكن الفرق واسع بين دلالتيهما في المصطلح.(الأسد،1999)
فعندما نذكر مصطلح العولمة (Globalization) فإن الذهن يتجه فوراً إلى الكونية أي إلى الكون أو العالم الذي نعيش فيه ومن هنا ندرك أن المصطلح يعبر عن حلة من تجاوز الحدود السياسية الراهنة للدول إلى آفاق أكثر اتساعاً تشمل العالم بأسره وهذا يعني تنازل الدول الوطنية أو حملها عن التنازل عن حقوق لها لصالح العالم، أو بعبارة أخرى أدق لصالح المتحكمين في هذا العالم. (الهواري، 1425هـ)
ويجمع كل من درس العولمة ونشأتها أنها كانت في البدء في مجال الاقتصاد إذ أن الخطاب الأمريكي تضمن أن النموذج الاقتصادي الأمريكي أو الصيغة الأمريكية هي وحدها القادرة على تحيق التنمية الاقتصادية للعالم، وهذا ما يسمى بالعولمة الاقتصادية.
أما العولمة الثقافية فهي امتداد للعولمة الاقتصادية ولا تختلف عنها إلا في طبيعة ميادينها، فبدلاً من الميدان الاقتصادي نجدها تشمل الميادين الفكرية واللغوية والفنية وهي تتفق مع العولمة الاقتصادية في التفرد والسيطرة فهي تعني تعميم ثقافة واحدة وسيادتها وهيمنتها على غيرها من الثقافات ،  ومن وسائل العولمة الثقافية إشاعة مصطلحات جديدة ذات مفاهيم أو مضامين تحل محل المفاهيم والمضامين الأصيلة الي تتصل بحياة الأمة وشخصيتها وحقيقة وجودها.
وقد تبدو بعض هذه المصطلحات في أول الأمر بريئة لايقصد منها إلا تقرير واقع أو وصف حالة أو ذكر أمور علمية ، مثال ذلك مصطلح "الشرق الأوسط" وهو مصطلح يضم بعض البلاد العربية وبعض البلاد الإسلامية وإسرائيل، وبذلك أصبح يطلق على منطقة لاكيان لها في الحقيقة، وكان أصلاً مصطلحاً حربياً استعمله الحلفاء في الحرب العالمية. وقد صار من الشائع أن تسمى قضية فلسطين بقضية الشرق الأوسط، فضاع اسم فلسطين، وأصبحت القضية ليست فلسطينية ولاعربية ولا إسلامية، وإنما هي فقط قضية الشرق الأوسط كما كان المقصود من مصطلح "الشرق الأوسط" أن يحل محل "الوطن العربي" أو "البلاد العربية" ، وكذلك كان المقصود منه تجزئ هذا الوطن بعد خلع صفة العروبة منه، وإضافة أقطار أخرى غير عربية. ويظل الهدف الأساسي اقحام إسرائيل في المنطقة لتصبح جزءاً عضوياًمقبولاً فيها. (الأسد،1999)
ومن وسائل العولمة الثافية أيضاً : الأدب الغربي الذي أخذ يتسلل إلى مجتمعاتنا باسم الحداثة وشبكة المعلومات الدولية والفضائيات التي أصبح انتشارها في العالم ممكناً بعد أن غزا الغرب الفضاء وثبت فيه عدداً كبيراً من الأقمار الصناعية. (المرزوقي ،1425هـ)
فالعولمة هي ذلك النظام الجديد أحادي القطب يدور في فلكه كافة الدول في العالم ، ويسيطر اقتصادياً، وثقافياً، واجتماعياً، وعسكرياً، وتكنولوجياً، وتلعب فيه الولايات المتحدة الأمريكية دوراً فاعلاً ومحركاً أساسياً. (الهواري،1425هـ)
أما العالمية (Universality) فهي كما عرفتها الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة الصادرة عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي: "مذهب يدعو إلى البحث عن الحقيقة الواحدة التي تكمن وراء المظاهر المتعددة في الخلافات المذهبية المتباينة، ويزعم أصحاب هذه الدعوة أن ذلك هو السبيل إلى جمع الناس على مذهب واحد تزول معه خلافاتهم الدينية والعنصرية لإحلال السلام في العالم محل الخلاف وبناء عليه يتبين أن العالمية تمثل مجالاً واسعاً من مجالات العولمة وهو المجال الثقافي وأن العلاقة بينهما جزء بكل. (المرزوقي . 2010)
 مع الأخذ بالاعتبار وان العولمة (globalization) تعني السيطرة والهيمنة على العالم وهي نفي للآخر وقمع وإقصاء للخصوصية وإذابة لكل خصائص المجتمعات، إلى درجة لا يكون فيها لأي مجتمع ثقافة ذاتية أو هوية شخصية أو قومية.
أما العالمية (Universality) فهي تفتح على ما هو عالمي وكوني أو الانفتاح على العالم شرقاً وغرباً والاحتكاك بالثقافات الأخرى أخذاً وعطاء وهي الاحتفاظ بالخلاف الأيديولوجي وهي عملية تفاعل تبادلي بين الجزء والكل تحكمها قيم إنسانية وتتم ووفق سنن تفاعل الحضارات فهي تعارف وتعاون وعمران.
لقد عرف العالم الاتجاه إلى العالمية في مراحل مبكرة فكانت العالمية من أبرز سمات الحضارة الإسلامية إبان ازدهارها، ثم حدث في مطلع القرن السابع عشر الميلادي أن وقع تحول في شمال غرب أوروبا في نظام التجارة العالمية برز فيه عنصر "الفرض" وهي تلك هي جذور العولمة ، وقد حدث ذلك عندما حاول الباحثون أو بعض الباحثين أن يؤرخ للعولمة  ويبحث في أصولها ويتتبع تطورها عبر مراحلها المختلفة وتجدر الإشارة إلى أن المراحل الأولى لهذه الظاهرة قد غلبت عليها صفة العالمية في حين أن مراحلها الأخيرة قد برزت فيها سمات العولمة.
فحضارات الصين والهند ومصر القديمة والحضارة الإسلامية وحضارة اليونان والرومان لم تشهد زمن العولمة وبمفهومها الذي نعرفه اليوم وإنما نستطيع أن نضع كل فترة عاشتها هذه الحضارات ضمن مرحلة من مراحل العالمية . (الهواري، 1425هـ)
ومن خلال هذا الاستعراض السريع لأبرز سمات وملامح العالمية والعولمة ونشأتها وتطورهما لعلي أخرج منها ببعض الفوارق التي تفصل بينهما من خلال الجدول التالي:
العولمة
العالمية
1-   مسح للثقافات واختراق الهوية وتمييع لها وإحلال الاختراق الثقافي في محل الصراع الأيدولوجي.
تفتح على العالم وعلى الثقافات الأخرى وإغناء للهوية الثقافية واحتفاظ بالخلاف الأيدولوجي. (المرزوقي،2010)
2-   إرادة للهيمنة فهي قمع وإقصاء للخصوصية واحتواء العالم.
-         طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي وانفتاح على ما هو عالمي وكوني.(غبان، 2000)
3-   إرادة لاختراق الآخرين وسلبهم خصوصيتهم من خلال إيجاد نشاط اقتصادي وثقافي معولم يقوم بتقليص وتهميش دور الدول القطرية ومؤسساتها الوطنية، والسعي لجعل العالم قرية كونية وسوق عالمي واحد.
-         تشير إلى التعاون والرغبة في الأخذ والعطاء، وفي التعارف والحوار التلاقح وتوثيق العلاقات بين الدول مع الحفاظ على سيادة كل دولة وخصوصيتها. (غبان ،2000)
4-   من حيث كيفية وطريقة الانتشار: انتشارها قسري؛ أو طبيعي/قسري
-         انتشارها طبيعي. (غبان ،2000)
5-   يجبر فيا القوي الضعيف ويرغمه على ما لا يؤيد.
-         عالمية الإسلام لا إكراه فيها ويقصد بها الانفتاح على العالم ومحاورته ومجادلته بالتالي هي أحسن ودعوته إلى هذا الدين ومبادلة المصالح الدنيوية معاً. (المرزوقي،2010)

المراجع:
-         الأسد، ناصر(1999). الثقافة العربية بين العولمة والعالمية، مجلةالأكاديمية- المغرب،ع16،ص: 149-171.
-         غبان ، محروس أحمد(200). عولمة الاقتصاد والتعليم العالي في المملكة العربية السعودية: الآثار والمضامين. مركز البحوث التربوية والنفسية ، جامعو أم القرى، مكة.
-         المرزوقي، ناصح(2010). أنواع العولمة والفرق بينها وبين العالمية،16-أبريل-2010.
-         الهواري، محمد(1425). العولمة الثقافية وأثرها على الهوية العربية الإسلامية: كلية الآداب – جامعة الملك سعود، الرياض.

هناك تعليق واحد:

  1. ويمكن أن نقل إن العالمية هي زيادة التعاون وتوثيق العلاقات بين الدول مع الحفاظ على سيادة كل دولة وخصوصيتها، في حين ترمي العولمة إلى إيجاد نشاط اقتصادي وثقافي وإعلامي معولم من خلال تقليص وتهميش دور الدولة القطرية أو القومية ومؤسساتها الوطنية، والسعي لجعل العالم قرية كونية وسوق عالمية واحد.


    بواسطة: سارة الايداء

    ردحذف