الثلاثاء، 8 ديسمبر 2015

         التعليم والتنمية المستدامة                      إعداد:الهنوف المطيري

      لقد اكتسب مفهوم التنمية المستدامة اهتماما خاصا منذ عقد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية(1992), فقد رسم هذا المؤتمر إطارا شاملا لوضع الأساس اللازم لمستقبل مستدام, وآمن للـأجيال الحالية والقادمة, من خلال تأكيداته على أن التنمية المستدامة تحتوي على ثلاثة مكونات: البيئة ,والمجتمع,والاقتصاد,حيث تتشابك هذه المكونات مع بعضها البعض وتتكامل,ولذلك فإن التنمية المستدامة تعد بمثابة أحد أشكال التفكير في المستقبل, الذي تتوازن فيه الاهتمامات والعوامل البيئية والمجتمعية والاقتصادية , بهدف تحسين وتنمية واقع الحياة.
مفهوم التنمية المستدامة:
    التنمية المستدامة مفهوم يصعب تحديده إلى حدة ما, والأمر الذي يجعله أكثر صعوبة هو أنه في تطور دائم ومستمر, بيد أن اللجنة العالمية المسئولة عن البيئة والتنمية تعرف التنمية المستدامة بأنها: "عملية يتناغم فيها استغلال الموارد, وتوجهات الاستثمار, ومناحي التنمية التكنولوجية, وتغير المؤسسات, وتعزز كلا من إمكانات الحاضر, والمستقبل للوفاء باحتياجات الإنسان وتطلعاته" ويثير هذا التعريف عددا من القضايا أهمها:
1-  التنمية المطلوبة تعني التقدم المتواصل للبشرية جمعاء, وعلى المستقبل البعيد, أي أنها ليست هدفا للدول النامية فقط بل لكل البشر.
2-    التنمية تفي باحتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على توفير احتياجاتها.
3-  ينطوي تعريف التنمية هنا على مفهومين ضمنيين:هما الاحتياجات التي يحددها الإنسان, والقيود التي تفرضها البيئة على استخدام التكنولوجيا والتنظيم الاجتماعي اللذان يوفران هذه الاحتياجات.
4-  أن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب نظام إنتاج يحترم الإلتزام بالحفاظ على توازن القاعدة البيئية لهذه التنمية (بديوي,2006).
أهداف التنمية المستدامة:
تسعى التنمية المستدامة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي ترتبط بكل مكون من مكوناتها الثلاثة كما يلي :
1-  المكون الاجتماعي نجده يتضمن مجموعة من الأهداف المطلوب تحقيقها مثل:العدل,التماسك الاجتماعي,الحراك الاجتماعي,المشاركة,الهوية الثقافية..الخ.
2-    المكون الاقتصادي يتضمن,النمو,الكفاءة ,الثبات..الخ
3-  المكون البيئي ويتضمن,بيئة سليمة للبشر,استخدام رشيد للموارد الطبيعية المتجددة,المحافظة على الموارد الطبيعية غير المتجددة...الخ.
    وبالتالي فإن التنمية المستدامة تتطلب تعلم صناعة قرارات جديدة مختلفة عما صنعناه في الماضي,وهنا يلعب التعليم الدور الأساسي في أن نتعلم كيف نصنع القرارات الصحيحة اليوم, وفي المستقبل.
     وعلى ذلك فإن محور التنمية المستدامة هم المواطنون وليس الإنتاج, وأن الغاية الأولى للتنمية هي تحقيق رفاهيتهم المادية والروحية, فلا ينبغي أن تكون التنمية ملائمة للبيئة فحسب بل ينبغي أن تكون التنمية ملائمة أيضا لثقافة النظم الاجتماعية للمكان الذي تتم فيه, وهذا الأمر يستلزم أهمية الأخذ بالتخطيط العلمي في كل مكون من مكونات التنمية(بديوي,2006).
أهمية التنمية المستدامة:
لا شك أن التنمية المستدامة هي التنمية التي تأخذ في الاعتبار القيود الثلاثة الرئيسية التي تفرضها البيئة على جهد التنمية وهي:
1-    عدم التبذير السفيه في استخدام الموارد الناضبة.
2-    عدم تجاوز قدرة الموارد المتجددة على تجديد نفسها
3-    عدم تجاوز قدرة البيئة المحيطة على هضم ما نلقيه فيها من مخلفات.
    وبالتالي يجب على كل مجتمع يأخذ بالتنمية المستدامة, أن يحدد أهدافه التنموية وإستراتيجيته وخططه لتحقيق الأهداف المنشودة, فإن لم يلتزم بهذه القيود الثلاثة فإن التنمية لن تكون دائمة بل تتوقف وقد تنتهي إلى أوضاع أسوأ من تلك التي بدأ عندها جهد هذه التنمية غير المستدامة .
    وحتى يمكن مراعاة القيود الثلاثة السابقة, والانتقال بها من المستوى المجرد إلى المستوى الإجرائي, يجب أن تتسع النظرة إلى تربية الإنسان في مراحل التعليم المختلفة لتتجاوز مرحلة التحصيل الأكاديمي, وثقافة الذاكرة, إلى ثقافة الإبداع والابتكار والتجديد في ذات الإنسان والبيئة المحيطة, وبشكل يؤكد الإعداد الشامل المتكامل للمتعلم, بدلا من حصره في تخصص ضيق جدا وقبل أن تنضج إمكاناته(بديوي,2006).
التعليم والتنمية المستدامة:
     يعد التعليم العامل الرئيسي من بين عوامل أخرى لتحقيق التنمية المستدامة بأشكالها وأبعادها المختلفة, ولذلك إذا ما افترضنا أن التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان, وينبغي أن يصل إلى جميع أفراد المجتمع في تناغم مع بقية الوسائط والتكنولوجيات الأخرى (حسن,2009).
      والتعليم في رؤيته الحديثة لا يسهم في التنمية الاقتصادية, والاجتماعية فحسب, بل هو الأساس لتحقيق التنمية الإنسانية بمفهومها الشامل, في إطار يتسم بالاعتماد المتزايد لحاجات وتطلعات الشعوب المختلفة, وعالمية المشاكل التي يواجهونها, ومجريات الأحداث التي يعيشون فيها(حسن,2009).
     ومن هنا فان التعليم يسعى دون تجاهل لمهمته الأساسية في نقل المعرفة وثمار الخبرة الإنسانية, والسعي إلى تهيئة الخبرات التعليمية لممارسة الناشئة فرص الاختيارات, والبدائل, والسيطرة على الوسائل الأزمة لحل المشكلات, والقدرة على اتخاذ القرار, وكذلك ممارسة المهارات اللازمة لتنظيم العمل المجتمعي, والرغبة في حل الصراعات بالطرق السلمية, من خلال عملية المشاركة في صنع القرار, وكل ذلك يؤدي إلى إعداد المواطن الفعال الذي يؤمن بأهمية دوره في الحياة, وفي تحقيق التنمية المستدامة.(حسن,2009)
أهداف التعليم من أجل التنمية المستدامة:
      إن الرؤية التي تقود أهداف التعليم من اجل التنمية المستدامة تكمن في تحقيق الفرص لكل متعلم للانتفاع بما تعلمه,واكتساب القيم والاتجاهات وأنماط السلوك التي تجعله يبني مستقبلا مستداما تتحقق فيه التحولات الاجتماعية الايجابية(أوزي,2006)
      وبعبارة أخرى فان الهدف من التعليم من اجل الاستدامة ما هو إلا محاولة إدراج مبادئ التنمية المستدامة وقيمها في المقررات, والبرامج التعليمية, لتغدو ممارسة عملية تطبيقية خلال عملية التعليم والتعلم, سعيا لإحداث تغيرات, وأنماط سلوكية جديدة لدى المتعلمين, تحقق لهم مستقبلا أكثر استدامة للمقومات الأساسية التالية:ازدهار الاقتصاد, وتمتعه بمقومات الاستمرار, والعدالة الاجتماعية لصالح الأجيال الحاضرة والمقبلة, والحفاظ على البيئة الطبيعية(اوزي,2006).
    إن التربية والتعليم بحكم وظيفتها التنشئوية بوسعها تشكيل الفرد الإنساني على قيم, ومبادئ ترسخ لديه أنماطا معينة من السلوك المرغوب فيه, يغدو ومع مرور الزمن عادة وطبيعة لديه, نشأ عليها وترعرع , ومن ثمة فإن من شأن توجيه التربية والتعليم نحو التنمية المستدامة يجعل من المتعلمين صغارا وكبارا يضطلعون بمسئولية التخطيط لمعالجة المشكلات التي تحول دون استدامة الحياة المناسبة على كوكبنا, والعمل قدر الإمكان على إيجاد الحلول التي تساعد على هذه الاستدامة(اوزي,2006).
   ويضيف الدكتور سليمان بن جاسر الحربش مدير عام صندوق أوبك للتنمية الدولية النقاط التالية:
-    يعتبر حق التعليم للجنسين أحد أهداف الإنمائية للألفية, كما يؤكد تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بشأن التنمية البشرية على أن "التنمية المستدامة لا يمكن اختزالها في البعدين الاقتصادي والسياسي, بل يجب كذلك مراعاة الأبعاد الثقافية, والاجتماعية, والإنسانية, والروحية, مما يجعل دور التعليم حاسما بقدر أكبر, ويعد الحد من الفقر, والقضاء على الجوع, وتوفير التعليم, وزيادة المستويات التعليمية للشباب, وتعزيز المساواة بين الجنسين, بعض الأهداف التي تتيح في رأي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المضي صوب تحقيق أشكال من التنمية المستدامة"
-    التعليم يمكن الإنسان من العيش الكريم, والمشاركة في تنمية المجتمع, ولهذا فإن القضاء على الجهل والأمية والتخلف حتمية لا يمكن تجاهلها, وتستحق بذل الموارد الاقتصادية من أجلها, لأن تعزيز القدرات الفردية من خلال التعليم هو شرط من شروط المشاركة الفاعلة في التنمية, ولهذا فإننا ندعو إلى الاستثمار في التعليم, ويجب أن توجه الجهود إلى تحسين نوعية, وكيفية هذا التعليم, ومدى تناغمه مع المتغيرات المعرفية, والثقافية, والمجتمعية.
-    ومن هنا تأتي الحاجة إلى تقويم التعليم باستمرار حتى نضمن تجدده, وتوافقه الدائم مع المتغيرات على الساحة الدولية, ويجب ألا ننسى أننا نعيش في عالم تلاشت فيه المسافات الجغرافية, وآخذ في التعولم, وهذا يدفعنا إلى المناداة بإعادة نظر جادة في نسق التعليم في منطقتنا العربية, إذا أريد للتعليم أن يساهم في تشكيل الرافد الفكري للمجتمع, وفي تطور التنمية, وردم هوة التخلف التنموي.
-    نحن نعيش في زمن سريع التغير ويتسم بالمنافسة الحادة , وهذا يبرز أهمية التعليم, وإعادة تشكيل مناهجه, حتى تنسجم مع الاحتياجات المجتمعية, وتتوافق مع المتغيرات التقنية, والإعلامية التي تشهدها المنطقة.
-         لقد أصبح تطوير منظومة التعليم ومناهجه مطلبا ملحا ليتلائم مع متغيرات العصر الثقافية, كما أن التكيف مع متطلبات الألفية الثالثة يعني تعزيز تمويل المشاريع التعليمية لخلق فرص حياة أفضل, ولإكساب الطبقات الفقيرة والمهمشة في الدول النامية القدرات والخبرات الأساسية, لتعزيز رأس المال البشري, ورفع إنتاجها, وتوظيفها للصالح العام.
-    إن التنمية المستدامة تضع في اعتبارها أن التعليم هو حق من حقوق الإنسان الرئيسة, وهذا الحق له أبعاد اقتصادية, واجتماعية, وسياسية, تنعكس على ديمومة التنمية, وتعزيز فرص نجاحها في تلبية الاحتياجات الإنسانية.
-    إن هناك شبه اتفاق بين الأكاديميين, وبعض السياسيين على وجود خلل يعيق عملية التعليم في المنطقة العربية, هذا الإدراك بما نطلق عليه "مأزق العملية التعليمية" ازدادت حدته في ظل المتغيرات الدولية, والإقليمية, ورياح التغير التي عصفت بمجتمعاتنا العربية, ولم يكن بالمستغرب أن ينادي البعض بصحوة تعليمية تكرس قيما إصلاحية خلاقة, وتنموية في المجتمع.
-    هناك حاجة إلى تنمية الإنسان, وبناء الطاقات الفردية, وإعادة بناء مؤسسات المجتمع المدني التي تتيح للفرد الحرية للإبداع والنمو.

      من التحديات التي تواجه أنظمة التعليم في الوطن العربي وتؤثر سلبا على قدرتها في تحقيق التنمية المستدامة ما ذكره حسن(2009):
-         عدم تحقيق المعدلات المنشودة للوصول إلى أهداف التعليم الأساسي, والتعليم للجميع.
-         عدم القدرة على توفير الموارد اللازمة لخطط التطوير التربوي’ خصوصا الموارد البشرية المناسبة لتنفيذ تلك الخطط
-    عدم كفاءة أساليب إعداد, وإنتاج, وتوفير موار تربوية مناسبة(كتيبات,وثائق,أنشطة,بحوث علمية ودراسات)تستند إلى المخزون القيمي, والثقافي, والمعرفي, الذي تزخر به المجتمعات العربية.
-    تمثل الطبيعة التشعبية من اجل التربية المستدامة تحديا كبيرا لمحاولات تكاملها في المواد الدراسية, وهذه الطبيعة تجعلها متداخلة مع كل المواد, والأنشطة التعليمية
-    يمثل الأخذ في الاعتبار قيم البلدان العربية وتقاليدها العريقة عند تخطيط وتنفيذ التربية من اجل التنمية المستدامة تحديا آخر؛ لما تمثله هذه القيم والتقاليد من أهمية لشعوب المنطقة لا يمكن تجاوزها.
-    من التحديات الأساسية للتربية من اجل التنمية المستدامة في الدول العربية هي أن كثيرا من البلدان العربية قد فرغت لتوها أو منذ فترة قصيرة من تطوير سياساتها لفكرة تعديل تلك السياسات, والبرامج بعد فترة قصيرة من بدء تطبيقها.
-    التعاون على المستوى إقليمي وشبه إقليمي يمثل احد التحديات, وذلك لقلة التجارب السابقة لمثل هذا التعاون في المنطقة العربية.
-    يظل توفير التمويل اللازم والتدريب المناسب, وتعزيز مبدأ الشراكة على قدم المساواة من التحديات التي تواجه بعض البلدان العربية.
-    الحروب والصراعات تلقي بظلالها على بعض بلدان المنطقة, وتمثل هذه الصراعات التحديات للتنمية المستدامة بل لاستمرارية الحياة لقطاعات كبيرة من البشر.
المراجع:
-         أوزي,أحمد(2006).التعليم من اجل التنمية المستدامة,مجلة علوم التربية,المغرب,العدد (32),ص(7-19).
-    بديوي,محمد(2007). وعي طلاب الجامعة بالمشكلات البيئية المرتبطة بالتنمية المستدامة دراسة ميدانية,مجلة كلية التربية,جامعة طنطا-مصر,العدد (39) ,مجلد (1),ص(206-270).
-    الحربش,سليمان(2006).تجارب التعليم والتنمية المستدامة الايجابيات والسلبيات ,الملتقى العربي الثالث للتربية والتعليم,التعليم والتنمية المستدامة في الوطن العربي,لبنان,ص(301-321).
-         حسن,محمد(2009),التعليم والتنمية المستدامة,مجلة التربية,قطر,العدد(168),ص(74-90).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق