إعداد: بلسم المغذوي
تشكل قضية السلام
الدولي اللبنة الأساسية في بناء المنظمات الدولية المعاصرة, حيث أن القصد الأساسي
من رغبة الجماعة الدولية المعاصرة في التنظيم والتكتل هو مواجهة ومنع الحروب
الكبيرة, وأول نظام للأمن الجماعي أخذت به الجماعة الدولية (عصبة الأمم) كان بعد
الحرب العالمية الأولى, ورغم وضوح نصوص
نظام عصبة الأمم, فإنها لم تنجح في إعطاء نظام الأمن والسلام شكله النهائي وذلك
قبل أن تظهر هيئة الأمم المتحدة.
ويهدف الأمن والسلام
الدولي اليوم إلى توحيد القوى المادية الكفيلة بمنع الأعمال العدوانية وإلى تحقيق
وحدة سياسية تمكن العالم من اتخاذ القرارات اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين
والحد من مظاهر العنف والعدوان (راتب,1998).
ويعد إرساء السلام
والأمن الدوليين المحور الرئيسي لعمل هيئة الأمم المتحدة, فهو أحد الأهداف
الرئيسية الواردة في ميثاقها الذي يتضمن آليات متعددة تفسح المجال لإمكانية تحقيق
هذا الهدف, وعلى الرغم من التحولات التي طرأت في التسعينات والحروب التي اجتاحت
العالم فقد تمكنت هيئة الأمم المتحدة من لعب دور مهم في إنهاء بعض النزاعات ونشر
ثقافة السلام في البلدان المختلفة, كما أنها وجهت عمل الوكالات المتخصصة نحو
التربية على السلام, واستهداف توعية المجتمعات بدور السلام والتفاهم الدولي
(بهولي,2013).
ويمكن القول أن جهود
الأمم المتحدة حيال التربية على السلام جاء في ضوء التنسيق بين جانبين مهمين هما:
1) أن توفر الأمم
المتحدة مصدراً للشرعية من خلال اعترافها بمراكز التنسيق الوطنية, وبتأسيس
الشراكات التنظيمية, وبذا تساعد على ضمان
عالمية حركة تعزيز ثقافة السلام وضمان أن يؤدي المشاركون الرئيسيون دورهم في
انسجام مع مبادئ السلام.
2) أنها توفر إطاراً
للاتصالات يمكن من خلاله للعناصر الفاعلة أن تتبادل المعلومات عما تقوم به من
أنشطة, ويمكن من خلاله أن يعي المشاركون بأن ما يقومون به من أعمال على الصعيد
العالمي والمحلي إنما هو جزء من حركة عالمية النطاق (العبد,2002).
وبناء على ذلك, أصبحت
ثقافة السلام هدفاً مشتركاً لكافة عناصر منظمة الأمم المتحدة, وكخير شاهد على ذلك
إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2000م السنة الدولية لثقافة السلام, وكذلك
العقد الدولي 2001-2010م لثقافة السلام و اللاعنف لأطفال العالم ( العزري,2008).
أما بالنسبة لليونسكو
فإنها تقر بأن تعزيز ثقافة السلام هو تجسيد لرسالتها الأساسية المتمثلة في
المساهمة في صون السلام والأمن بالعمل عن طريق التربية والعلم والثقافة بتوثيق عرى
التعاون بين الأمم لضمان الاحترام الشامل للعدالة والقانون وحقوق الإنسان والحريات
الأساسية للناس دون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين كما أقرها ميثاق
الأمم المتحدة لجميع الشعوب.
وقد عينت اليونسكو من
قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 55/47 كوكالة رائدة للعقد الدولي
لثقافة السلام و اللاعنف من أجل أطفال العالم, كما تتضافر جهود اليونسكو في تعزيز
ثقافة السلام مع العديد من المنظمات والهيئات في عدة مجالات للعمل من ضمنها ما يلي:
1- إشاعة السلام من
خلال التعليم.
2-التنمية الاقتصادية
والاجتماعية المستدامة.
3-احترام حقوق
الإنسان.
4-المساواة بين الرجل
والمرأة.
5-المشاركة
الديمقراطية.
6- التفاهم والتسامح
والتضامن.
7- الاتصال القائم
على المشاركة وكرية تدفق المعلومات والمعرفة.
8- السلام والأمن
الدوليان ( الأمم المتحدة,2001).
وتشير اليونسكو إلى
أنها وسعياً إلى تحقيق الهدف الطويل الأجل
في مجال التربية على ثقافة السلام فإنها تقدم المساعدة إلى الدول الأعضاء
من أجل وضع خطط وبرامج وطنية للتربية على ثقافة السلام, ويشمل ذلك تنفيذ برامج
لتدريب المعلمين, وتنقيح المناهج الدراسية فيما يخص الموضوعات المتعلقة بحقوق
الإنسان والسلام والديمقراطية والتربية الوطنية والتربية من أجل اللاعنف والتسامح
والتفاهم الدولي والتنوع الثقافي واللغوي, كما أنها تعزز الشراكة مع منظمات حكومية
وغير حكومية معنية بالتربية (الأمم المتحدة,2001).
وقد قامت اليونسكو من
جانبها بإناطة العمل إلى كافة الشركاء من منظمات حكومية وغير حكومية ولجان وطنية
للقيام بتكوين تحالف كبير يضم الحركات والمجموعات والمؤسسات العديدة على إرساء
ثقافة السلام, وذلك من خلال العمل على تعزيز هذه الثقافة وحفز الوعي وإقامة
الشراكات وتنظيم حملات توعية الجمهور عن طريق وسائل الإعلام وتقديم الدعم
للمشروعات والبرامج على الصعيد المحلي والوطني والاقليمي, وتشجيع الدراسات
المشتركة بين التخصصات التي تتناول العنف وأشكاله المعاصرة, واستهداف تعلم العيش
في وضع التعددية الثقافية, ومراعاة قضايا الجنسين والأقليات, وتحسين المعارف
وتعزيز الشبكات بغية مبادرات السلام مع الاستعانة في ذلك بتكنولوجيا الاتصال
الحديثة لتيسير تبادل الدعم واتخاذ تدابير الإنذار المبكر (العزري,2008).
من ناحية أخرى,
تتكامل جهود اليونيسيف في التربية من أجل السلام مع جهود اليونسكو والأمم المتحدة
وبقية المنظمات الدولية, حيث تؤمن اليونيسيف بأن التعليم هو استراتيجية أساسية لمنع
الصراعات والتعصب وتأمين الشروط المؤدية إلى السلام, ولذلك وضعت مجموعة واسعة من
البرامج التثقيفية في مجال السلام تهدف إلى :
1) اكساب الأطفال
المهارات اللازمة لحل الخلافات اليومية مثل المهارات في مجالي التواصل وحل
المشاكل.
2) إتاحة الفرصة
للأطفال لكي يعيشوا تجارب إيجابية غنية تعزز إحساسهم باحترام الذات والثقة بالنفس.
3)تمكين الأطفال من
فهم الشعوب من الثقافات الأخرى فهماً أفضل.
ومن بين المبادرات
العديدة التي قامت بها اليونيسيف يمكن الإشارة كنماذج إلى ما يلي:
1) مشروع التثقيف
بهدف حل الصراعات في سيرلانكا.
2) مشروع (قيم
الحياة) في مصر.
3) حركة الأطفال
المناصرين للسلام في كولومبيا.
4) مشروع التربية من
أجل السلام في راوندا ( العبد,2002).
وبناءً على ما سبق,
ترى الكاتبة أن أهمية الجهود التي تقوم بها اليونسكو واليونيسيف والمنظمات الدولية
والمحلية الأخرى في مجال التربية على السلام, تنبع من تأكيدها لمدى تأثير التربية
والتعليم في إرساء ثقافة السلام والدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به برامج التعليم
في تعزيز التسامح ونبذ العنف وترسيخ قيم الحوار والتنوع الثقافي والتفاهم بين
الشعوب, والملاحظ أن جهودها عالمية النطاق ومتكاملة بالنسبة للفئات العمرية
المختلفة في كافة أطياف المجتمع من أجل تجاوز الخلافات مما يجعل جهودها على قدر
كبير من الأهمية في ظل ظروف النزاع حول العالم.
المراجع:
الأمم المتحدة
(2001). العقد الدولي لثقافة السلام و اللاعنف من أجل أطفال العالم: مركز وثائق
الأمم المتحدة, تاريخ الرجوع 29/2/1437هـ, رابط الموقع:
http://www3.unesco.org/iycp/kits/ar_56-349ara.pdf
بهولي (2013). دور
الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين فحص لأهم المقتربات النظرية. ورقة
عمل مقدمة للملتقى الوطني الأول حول مستقبل العلاقات الدولية في ظل التطبيقات
الراهنة لميثاق هيئة الأمم المتحدة, جامعة الشهيد حمه غضر: ليبيا.
راتب, عائشة (1998). التنظيم
الدولي. ط (1), دار النهضة: القاهرة, مصر.
العبد, عاطف عدلي
(2002). العقد الدولي لثقافة السلام واللاعنف لأطفال العالم 2001-2010 من واقع
وثائق وتقارير الأمم المتحدة ومنظماتها. مجلة الطفولة والتنمية, مج(2),
ع(8), ص ص 13-44
العزري, أحمد بن سالم
(2008). اليونسكو وثقافة السلام. مجلة تواصل: عمان, ع(9), ص ص 49-54
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق